ينقسم العالم حالياً إلى مجموعتين رئيسيتين من حيث مستوى التقدم العلمي والتطور التقني والنمو الاقتصادي هما الدول المتقدمة في هذا المجال وتعرف بدول الشمال، والدول النامية والتي لم تستطع مواكبة هذا التقدم لسبب أو لآخر وتعرف بدول الجنوب،
وتمثل الدول العربية والإسلامية جزءاً كبيراً من دول الجنوب، ولكن هناك تبايناً كبيراً بين الدول العربية والإسلامية فيما بينها من حيث مستوى التنمية والتقدم العلمي والتقني.
تأتي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتتخطى بالمملكة مراحل متقدمة في طليعة العالم الأول، الذي تشكل المملكة أبرز مكوناته كدولة رائدة في مجموعة ال 20 التي تجمع دول السوق البارزة والدول الصناعية في منظومة اقتصادية تعمل على توجيه واستقرار الاقتصاد العالمي.
تنتهج الدول المتقدمة نهجاً واضحاً في تعزيز قدرات البحث العلمي والتطوير التقني، وتدعيم بنيته وتكثيف أنشطته، من خلال إنشائها لمراكز البحوث والتطوير وتعزيز قدراتها بتغذيتها باستمرار بالكوادر البشرية المدربة، وتهيئة الباحثين للقيام بأنشطة البحث والتطوير في جو من الحرية والاستقلالية، ووضوح السياسات، واحترام حقوق الملكية الفكرية، وتيسير سبل تطبيق نتائج البحوث، مع الحصول على مزايا مادية ومعنوية مجزية تشجع على المزيد من الابتكار والإبداع.
تحاول الدول النامية أن تحقق نجاحات في مجال البحث العلمي والتطوير التقني لقهر التخلف الذي تعانيه. ولتقريب الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة، والتي تزداد اتساعاً نتيجة لضعف مخرجات البحث والتطوير في الدول النامية وزيادة تقدمه بخطى أسرع في الدول المتقدمة.
لم تألو بعض الدول النامية جهداً في محاولة دفع أنشطة البحث والتطوير بإرادة جادة تمثلت في بعض دول آسيا الذي أثبتت منافستها الرائدة على طريق التقدم الذي لفت انتباه العالم وأثار حفيظة العالم الغربي الذي ما لبث وأن وضع العقبات أمام هذا التقدم الذي أضحى يتخطى معوقات العالم الغربي الموجه ضده.
يلعب البحث والتطوير دوراً حيوياً في تقدم ورفاهية المجتمعات، والذي بدوره يعتبر مؤشراً لقياس نمو الدول، ومعياراً لتقدمها وكفاءة مؤسساتها. حيث قدر أن (90%) من الزيادة في معدل النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة يرجع إلى التقدم التقني، كما أن (50%) من الزيادة في حصة الفرد من الدخل القومي يعود لهذا السبب.
تحقق انشطة البحث العلمي والتطوير التقني في الدول المتقدمة عائدات عالية، حيث يُقدر أن كل مليون دولار تنفق على البحث والتطوير في الدول المتقدمة تحقق (100) مليون دولار، بالإضافة إلى العوائد غير المباشرة التي تستمر لفترات طويلة ويصعب تقديرها. ومن هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وسنغافورة وألمانيا وكندا وأستراليا وفرنسا والصين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يحقق أعلى عائداً بين الدول المتقدمة إذ أن كل مليون دولار ينفق على البحث والتطوير يحقق (140) مليون دولار عائداً منظوراً. وتأتي اليابان الثانية في الترتيب إذ أن كل مليون دولار تنفق على البحث العلمي تحقق عائداً يقدر بنحو (124) مليون دولار. وفي الاتحاد الأوربي فإن كل مليون دولار تنفق على البحث العلمي تحقق عائداً يقدر بنحو (98) مليون دولار, ويرجع ذلك إلى أن:
1 - معظم نتائج البحث العلمي في مختلف المجالات تجد طريقها للتسويق مباشرة.
2 - تتم عمليات البحث العلمي بالاتفاق مع المستفيدين منه مباشرة، وبالتالي تتحقق الكفاءة في استخدام وتطبيق نتائج البحث العلمي.
3 - نسبة كبيرة من نتائج البحث العلمي تتمثل في العلوم التقنية المتقدمة والدقيقة.
4 - وضوح الرؤية في أولويات البحث العلمي في الدول المتقدمة حيث يتم البحث العلمي بأسلوب التكاليف والعائد.
5 - تشجيع المبتكرين والمخترعين والموهوبين، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الابتكارات والاختراعات العلمية.
يُعد عائد البحث العلمي في الدول النامية منخفضاً جداً، حيث إن كل مليون دولار تنفق على البحث العلمي تحقق (10) مليون دولار، بالإضافة إلى العوائد غير المباشرة التي يصعب تقديرها ومن هذه الدول تركيا وماليزيا والهند. وفي غالبية الدول النامية ينخفض معدل العائد إلى مستويات متدنية، حيث إن كل مليون دولار ينفق على البحث العلمي يحقق (5) مليون دولار. ومن هذه الدول اليونان والبرتغال ومصر والمكسيك والبرازيل. ويرجع انخفاض عائد البحث العلمي في الدول النامية إلى:
1 - القدرة المحدودة على الاستفادة من نتائج البحث العلمي.
2 - ضعف القدرة على تسويق نتائج البحث العلمي في الدول النامية.
3 - معظم البحوث العلمية التي تُجرى في الدول النامية ما زالت ترتكز على العلوم الأساسية ونسبة بسيطة جداً على العلوم التكنولوجية المتقدمة.
4 - معظم البحوث العلمية في الدول النامية لا ترتبط مباشرة بمشاكل المستفيدين.
5 - عدم وضوح الرؤية في أولويات البحث العلمي.
6 - عدم التنسيق بين الجهات العلمية في الدولة الواحدة مما يؤدى إلى تكرار إجراء نفس البحوث في أماكن مختلفة داخل الدولة.
7 - عدم توفر نظام معلومات وبيانات عن نتائج البحث العلمي.
8 - عدم تشجيع الابتكار والاختراع.
9 - عدم تهيئة المناخ العلمي للباحثين للإبداع والابتكار من أجل ترجمة مواهبهم في بحوث ودراسات علمية تترجم في براءات اختراع، يتم تبنيها في شكل مخترعات وصناعات.
10 - بالرغم من توفر القوى البشرية العلمية في معظم دول العالم النامي إلا أن ضعف الإمكانات الفنية والتجهيزات الحديثة تحد من طموح الباحثين في تنفيذ بحث علمي متقدم والخروج بالبحث العلمي من الحلقة التقليدية.
استحوذت الدول المتقدمة على النصيب الأكبر من الكفاءات البحثية حتى من الدول النامية التي هاجر المبتكرون والمبدعون منها إلى العالم المتقدم الذي احتضنهم وهيأ لهم سبل العيش الكريم ومكن لهم سبل البحث العلمي من خلال مراكز البحث والتطوير المجهزة بكامل تجهيزات وتقنيات البحث العلمي المتقدم. فالدول المتقدمة لا تخطو خطوة في أي مجال إلا بعد دراسة مستفيضة، مما يجعلها مستقرة اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً، أو بمعنى آخر أن البحث العلمي يشكل جزءاً لا يتجزأ من تنميتها، وعلى العكس من ذلك نجد أن أغلب الدول النامية ترتجل الحلول للمشكلات التي تواجهها، والتي تكون بعيدة جداً عن الأسلوب العلمي المنهجي.
حولت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الأنظار نحو قاعدة جذب علمي برؤية جديدة في منظومة المؤسسات العلمية الرائدة على مستوى العالم لتتخطى المعوقات التي تعاني منه الدول الأخرى، وتفرض واقعاً جديداً ومسلمة مستقرة تُعيد للأمة الإسلامية صدارتها التي توارت بعد أن كانت تستقبل وفود حضارة العالم الغربي لتلقى العلوم والمعارف في أروقة محاضنها العلمية.
تُعد جامعة الملك عبدالله مكان الاكتشافات والابتكارات من خلال الإسهامات العلمية المتميزة التي تقدمها للدارسين من أجل أن يتفوقوا بأبحاثهم على العالم. وتستقبل الجامعة الدارسين من كافة دول العالم لتلقي العلوم والمعارف المتقدمة والدقيقة في قاعاتها ومختبراتها وبجهود الخبراء وأعضاء هيئة التدريس والأساتذة الذين يبذلون أقصى الجهود لدعم جميع الملتحقين بالجامعة لتحقيق التميز والريادة.
قبل نحو 10 سنوات لم تكن هناك جامعة ولا مباني ولا أعضاء هيئة تدريس ولا طلاب. واليوم يشاهد العالم جامعة رائدة تكاد تكون من أعظم جامعات العلوم والتقنية في العالم، حيث وصل عدد خرجيها منذ تأسيسها نحو 1000خريج. وقد احتفلت في 14 ديسمبر من عام 2014م بتخريج الدفعة الخامسة من طلابها الذين بلغ عددهم 38 خريجاً بدرجة الدكتوراه، و 121خريجاً بدرجة الماجستير.
استثمرت الجامعة في الخريجين ودفعتهم إلى تحويل الفرص إلى نجاحات تجعلهم قادرين على الإبداع والابتكار المتواصل، وتجاوز التحديات التي ستواجه مسيرة عطائهم في دولهم أو حيث ما كانوا في عالم اليوم المليء بالتحديات. وهي بهذا تؤسس لمنظومة من الخبراء والمتخصصين في أدق المعارف والتقنيات يتوزعون في جميع دول العالم ويحملون اسم وفكر جامعة الملك عبدالله. وبرؤية استراتيجية سعودية فهم سفراء لها وللملكة العربية السعودية التي تسعى بأن يعم ثمرة عطائها العالم أجمع لتتيح للعالم قنوات للتعاون والتواصل بجسور العلم والمعرفة. وفي ذات الوقت تُرسخ لمبادئ الاستقرار الذي يحمل في طياته حسن النوايا ونبل الهدف لتعلن وبحق للعالم أجمع أنها مملكة الإنسانية بقيادة ملك الإنسانية الذي يرعى الحقوق ويقيم العدل وينشر الخير والسلام ويسهم بكل الإمكانات في تحقيق أهداف التنمية الألفية التي يعم نفعها البشرية جمعاء في عالم تمزقه الصرعات وتملؤ صدوره الأحقاد حتى بين أبناء البلد الواحد، لتظل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في الصدارة والريادة كأعظم جامعة مرموقة في عالم اليوم كما استشرفتها الإستراتيجية السعودية بداية.