صدمت جريمة الاعتداء على مقرّ المجلة الفرنسية الساخرة (شارلي إبدو)، جميع من تلقّوا الخبر، إذ تخطّت الصدمة فرنسا وأوروبا إلى جميع من سمع بحادثة الاعتداء التي مهما كانت الأسباب، تُعَدُّ جريمة إرهابية، أقدم على تنفيذها أفراد خلت قلوبهم من أي عاطفة وعقولهم من أي تفكير، سوى التفكير بالانتقام والحقد.
المؤلم انتماء من نفّذ الجريمة التي أزهقت أرواح اثني عشر من البشر، وإصابة عشرة آخرين أربعة منهم حالاتهم حرجة، ينتمون إلى المسلمين الفرنسيين، وهم من الجيل الثاني من المسلمين المولّدين في فرنسا.
الشيء المؤكد أنّ المسلمين جميعاً سواء في فرنسا أو في أوروبا وحتى في البلدان الإسلامية، يرفضون مثل هذه الجرائم الإرهابية، التي وعلى عكس ما يعتقده الكارهون للإسلام والمسلمين في أوروبا، فالمسلمون يرفضون بصفة مطلقة الأعمال العدائية، واتهام بعض من يعتنقون الدين الإسلامي بارتكاب مثل هذه الأفعال التي وإنْ تضاعفت في صفوفهم، إلاّ أنّ الأمر ليس مقصوراً على المسلمين، فهناك منتمون لأديان أخرى، والمسلمون الذين عاشوا في فرنسا منذ عقود، عُرفوا بالسماحة والاندماج، وظهور اثنين أو ثلاثة أو حتى جماعة متطرِّفة صغيرة جداً، لا يبرِّر اتهام ستة ملايين مسلم في فرنسا بالإرهاب وتشجيع مثل هذه الأعمال المستهجنة، والدليل ظهور إدانات عديدة من جميع الجهات الإسلامية في فرنسا، من قادة الجمعيات الإسلامية، ومسجد باريس الكبير، واتحاد المسلمين في فرنسا, وشخصيات اعتبارية مهمة في فرنسا وخارجها، كما سارعت جميع الدول الإسلامية الكبرى في رفض وإدانة هذا العمل المستنكَر، كما فعلت المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية والأزهر، ولهذا فقد كان تعامل الفرنسيين مع الحادثة، تعاملاً يتوافق مع الثقافة الفرنسية، فباستثناء اليمين الفرنسي ممثلاً بالجبهة الوطنية العنصرية، تعامل الفرنسيون بعقلانية مع الجريمة التي ارتكبتها جماعة إرهابية، هم منبوذون حتى من وسطهم الإسلامي، ومع هذا لا يمكن حصر ردود الفعل في إمكانية أن تُستغل وتُستثمر من أعداء المسلمين في فرنسا وأوروبا، بعد أن وفَّر لهم المتطرِّفون والإرهابيون من بيننا، الأسباب التي تجعلهم ينشطون ويفعلون أعمالهم ضد المسلمين والدين الإسلامي الذي ينتشر في أوروبا، ولا بد أن تشهد (ارتدادات) انتقامية من القوميين المتطرِّفين الذين يشعرون أنّ أعمال الإرهابيين المتشدِّدين تنشر الخوف في بلد مستقر كفرنسا، متعدِّد الثقافات ويؤمن بالحرية المطلقة، وقد تتعرّض أماكن وجود المسلمين ومساجدهم لعمليات انتقامية، إلاّ أنّ الجو العام في فرنسا، لا يمكن أن يتحوّل إلى جوٍّ معادٍ بالمطلق، خاصة وأنّ المؤسسات الثقافية والفكرية، ومنها وسائل الإعلام، لم تنجرف إلى الأجواء المعادية، وتحدُّ كثيراً من دعوات الكراهية وتحاصر كلّ محاولة لتجريد المجتمع الفرنسي من أجواء التسامح والتعدُّدية الثقافية والفكرية.