أمر بدهي أن يتطلع الإنسان إلى النجاح، ولأجله توظف كل الإمكانات والقدرات، والمعارف والخبرات، وتسخر كل الجهود والطاقات، ويبذل الغالي والنفيس بغية الوصول إلى أعلى الدرجات الممكنة في سلم التفوق، لهذا يحرص كل متطلع للنجاح على تكوين صورة بهية له في مجال عمله الذي يتسنم زمام إدارته، ويتطلع إلى رؤية النتائج التي تضعه في مصاف متقدمة تليق بالجهود التي يبذلها، وغالبا ما يوظف هؤلاء المتطلعون كل ما يتمتعون به من سمات فطرية ومكتسبة، وما يتوافر لديهم من إمكانات وقدرات، من أجل الفوز بالمكانة اللآئقة بين المنافسين، وفق أدبيات المنافسة ومعاييرها، التي تحفز على النجاح، وتدفع إلى التفوق.
إن التخلف والتأخر عن ركب التقدم والتطور، والإخفاق والفشل، يعود في الغالب إلى تغييب النقد البناء الصريح الواضح، والضيق ذرعا بكل من يطرح رأيا مخالفا، وفي الوقت نفسه الترحيب المطلق برخيص الكلام، وبالمؤيدين للنتائج التي يرها المسؤول الذي يعد عند البعض بمنزلة لا يأتي أداءه الباطل أبدا، رغم إخفاقاته وأوجه فشله الظاهرة للعيان، فصارت العبارة الأكثر قبولا ورضا، «كل شيء تمام» و»حنا أفضل من غيرنا» و»حققنا ما لم يصل إليه أحد أو يضاهيه في العالم».
يغفل البعض عن مراجعة الأساليب الإدارية التي يتبعها في إدارته، ويعرض عن توظيف الأدوات العلمية في المتابعة والتشخيص والتقويم، ويتهيب من استثمار التقنية وأنظمتها في تسيير الأعمال، وتسهيل الإجراءات، على الرغم من توفرها وسهولة استخدامها، بل إن بعضها يعد من بدهيات العمل الإداري ونوافله، لهذا ظلت بعض المؤسسات تراوح مكانها، بل إن بعضها تراجع وتخلف، وقائدها يحسب أنه يحسن صنعا بينما هو يسير في منحدر، ومن إخفاق يتلوه إخفاق.
لقد بادرت عدد من المؤسسات العلمية والأجهزة الحكومية والخاصة إلى استثمار التقنية، فوظفتها في تسيير أعمالها، وفي التواصل عبر مواقعها الألكترونية مع الغير ومع أقنية المعلومات، وحققت بجملة من الإجراءات رضا ذوي العلاقة، ومكانة متقدمة نقلتها من مكانها غير المرضي إلى مكان أفضل في الترتيب بين المؤسسات المماثلة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
لكن المفاجآت الصادمة مازالت تترى من المركز الوطني للقياس والتقويم، فنتائج اختبار المتقدمين للترشح للوظائف التعليمية بوزارة التربية والتعليم، والتي غالبا لا يشار في إعلان النتائج إلى الجامعات والكليات التي تخرج فيها هؤلاء المتقدمين، لكنه من نافلة القول بل الجزم بأنهم جميعا من الكليات التربوية وأخواتها من الرضاعة أو التبني اللواتي حشرن أنفسهن قصرا في الإنتساب إلى مجال التربية وأدبياتها، وهن الأبعد عن ذلك شكلا ومضمونا.
تشير النتائج إلى أن نسبة الذين يجتازون الاختبارات حسب معايير وزارة التربية والتعليم، متدنية لا تصل إلى 50 % من المتقدمين !!
يتألف الاختبار من مهارات تربوية، ومهارات اللغة العربية، ومهارات عددية، والمهارات الخاصة بتخصص المعلم حسب المرحلة الدراسية التي سوف يدرس فيها.
يتبين من مؤشر فشل الخريجين أن مخرجات الجامعات وخاصة في التخصصات التي يتجه خريجوها إلى التربية والتعليم تعد ضعيفة هزيلة، وأنها على مستوى كل التخصصات، ويستشف من ذلك أن حال ضعف الخريجين انعكاس للمستوى العلمي لأعضاء هيئة التدريس أنفسهم، وأن الخلل في فعاليات المواقف التعليمية ومحتواها العلمي، الذي يفترض أنه يعد طلابا متمكنين علميا وفكريا وممارسة، وفي عمليات التعلم وأساليبه، والعلاقة بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، هذه وغيرها مدخلات يجب مراجعتها لكي يرقى الخريجون إلى مستويات تؤهلهم إلى النجاح في ممارسة أعمالهم التي يؤهلون لها.
يفترض في الجامعات أن تستثمر نتائج اختبارات مركز القياس، وتوظفه بما يحسن المخرجات ويرقى بها إلى مستويات منافسة في كفاءتها وتمكنها العلمي والمهاري، وهي قادرة على النجاح في ذلك كما نجحت في إجراءاتها الإدارية التي حققت بها مكانة أفضل في الترتيب بين الجامعات العالمية الأخرى، وعليها أن تضع ضمن إهتماماتها التحقق من مخرجاتها بصفة دورية، وذلك من خلال التواصل بأدوات علمية تتلقى بها تغذية راجعة من المؤسسات التي توظف خريجيها، بحيث تعدل في ضوئها البرامج وتطور الخطط، عدا هذا ستظل الجامعات تراوح مكانها.