قبل ثلاثة عقود، كانت التاسعة مساء تعني لدى المواطن السعودي أشياء كثيرة! منها نشرة الأخبار في القناة الأولى الوحيدة، ويتبعها المسلسل اليومي الذي يتابعه أغلب المشاهدين أثناء تناولهم وجبة العشاء سوياً، وفيه يتم النقاش والحوار الأسري ومعرفة المستوى الدراسي للأبناء ومراجعة بعض المواد لهم وتوجيههم والاستماع لطلباتهم اللذيذة التي لا تنتهي!! ثم ينامون ليستيقظوا ويذهبوا لأعمالهم ومدارسهم في الصباح، وهناك يتحدثون عن تداعيات المسلسل اليومي الوحيد ويضعون توقعاتهم لأحداثه القادمة وربما نهايته ولو كان في منتصف عرض حلقاته الثلاثين! وقد يصابون بخيبة في توقعاتهم ولكن يَعْزون ذلك إلى أن (المخرج عايز كدا)! ثم دخلت الفضائيات وعصفت بثقافة المجتمع، وتبعاً لها تم تصنيف فكر أفراده من متشدد إلى ليبرالي بحسب نوع القنوات الفضائية التي يتابعونها! ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تبعه وجهات السفر وغيرها من التشظيات الفكرية التي قسمت المجتمع.
وحينما أبدت وزارة العمل نيتها بإغلاق المحلات التجارية عند التاسعة مساء، انقسم المجتمع فكرياً حول هذا الأمر الذي يحمل بمضمونه الرائحة الاقتصادية البحتة، حيث ترى الإستراتيجية الحكومية ممثلة بوزارة العمل أن هذا الإجراء سيساهم باستقطاب الشباب للعمل بالمحلات التجارية، والتقليل من الاعتماد على الوافدين، فضلاً لما لهذا الإجراء من فوائد كثيرة منها عودة الحميمية للأسرة التي يتناهب أفرادها الاهتمامات المختلفة والثقافات الوافدة كالتسوّق الليلي أو بالأحرى الترفيه في الأسواق وتناول العشاء مع الأصدقاء في مطاعمها.
إن إغلاق المحلات التجارية في وقتٍ باكرٍ يحمل في طياته فوائد جمّة سواء في المجال الاقتصادي؛ حيث سيقل التردد على الأسواق والاستهلاك، وفيه حفظ لمدخرات الأسرة، وكذلك تخفيف الازدحام المروري الخانق والتقليل من الطاقة المهدرة في الكهرباء الناتج من الإضاءة والتكييف. والفائدة العظمى ما يتعلّق بالمجال الأمني، حيث ستقل الحوادث بعمومها خصوصاً السرقة والمعاكسات، وسيكون من السهولة السيطرة على الوضع لوجود الأسر في مساكنها.
ولا شك من انعكاس ذلك إيجابياً على الوضع الصحي للمجتمع الذي سيظهر في قلة السهر والنوم الباكر، وليته يجري على الزيارات المسائية فتبدأ باكراً وتنتهي قبل منتصف الليل وترجع تلك العادات الجميلة ويعود الصفاء والهدوء إلى حياتنا، فقد مللنا الصخب!!