مدخل
عبد الله بن عبد العزيز.. ماء في أودية السعودية وآبارها، كان سيفاً ونسراً، عذق من رطب، وحداء في بوادي الوطن، وسنديانة صلبة، جسد الوطن كان، روحه وعقله وشاعريته وضميره، أعطى للوطن كل ما يملك ولم يهادن، ولم يرضخ لرغبة معادية، وبقى شامخاً شموخ النخيل، صابراً وجلداً كجبل، صوت حنون غنى للفقراء وحلم بالغد الملون لهم، من أجلهم تبعثرت روحه وهمومه، ورغم مرضه الطويل لم يستكن ولم تهدأ روحه في محاربة الظلم والإرهاب ومكروبات الحياة، وخفافيش الظلام، ومتسلقي الفتنة، لا فسحة أبداً للهزيمة عنده، يحب الارتقاء، والتطور، والنمو، لا يحب الاستكانه، والنكوص، والتقعر، لهذا أخذ رحمه الله مكانته الخالدة والرحيبة والمشمسة في صدور الناس كلهم.
دخول
لقد رحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرجل الإنسان الذي أسهم في غرس نواة التطور والارتقاء السعودية، وازدهرت في زمنه النشاطات التجارية والاقتصادية بكافة أنواعها، وفق قفزات نوعية هائلة، وحقق الاقتصاد السعودي مكاسب مادية ومعنوية لم يحققها أحد من قبل، وتسلقت السعودية المجد حتى ارتقت إلى المراتب العليا عالميا من حيث الكفاءة والأداء والإنتاج والمصداقية، واتفق الناس على اختلاف مشاربهم على أن القفزات السعودية الهائلة في كل المجالات السعودية بلغت أوج عظمتها في عصره الذهبي، الذي حفر اسمه في سجل الوطنية والشرف والتميز، وكانت أيامه صفحة مشرقة من صفحات التاريخ السعودي الزاخر بالخير والعطاء، فقد أسهمت إنجازات هذا الرجل العملاق، في تفجير الإبداعات الوطنية المخلصة، وتنفيذ المشاريع العملاقة، وبناء المجتمع السعودي المتحضر، ونجح في إرساء قواعد السلوك الإداري المتمرد على الأطر التقليدية والسياقات الروتينية، وأصبحت السعودية بجهوده دولة مثمرة يعم خيرها العالم كله باتجاهاته الأربعة، التي عادت على الوطن والعالم بالنفع والخير والفوائد الجمة على الجميع، وسجلت رؤيته الثاقبة نجاحات لا تحصى في تحقيق النهضة الشاملة، وفي إدارة شؤون البلاد وفق المنهج الاقتصادي القويم، لقد بدأ بإعداد أطياف المجتمع بجنسية وتأهيلهم علمياً ومهنياً، وذلك بفتح مجالات التعليم بشتى أنواعه، وإنشاء أرقى الجامعات والكليات والمعاهد، واستطاع أن يوفر العيش الكريم للمواطنين، فقد كان المصلح الراحل سباقاً في تأسيس نظام الإسكان والتعمير، ودعا إلى كل ما يعود بالنفع والخير على المواطنين، فشيد المطارات الحديثة، والجامعات الحديثة، والمصانع الحديثة، وهيأ المرافق، وضمن لها أسباب الاستقرار، ووفر البنية الأساسية من طرق، ومدارس، وأسواق، ومساجد، وجمعيات خيرية، وملاعب حديثة، وحدائق ومتنزهات، ومكتبات عامة، ونوادي ترفيهية، ووسائل الرعاية الصحية المجانية، وكثف جهوده رحمه الله من أجل تحسين أوضاع الفقراء قولا وعملا ومنهجا، وما زالت أعماله الخيرية شاهدة في المدن والقرى، كلها تلهج لهذا الرجل المصلح النبيل بالشكر والامتنان والعرفان، ولا أغالي إذا قلت ذلك أو زدت عليه، وبينما كانت النهضة الداخلية تتواصل من أجل إنعاش أوضاع المواطنين، وتنمية معيشتهم، والارتقاء بهم، كان المصلح الراحل يواصل حصد النجاحات الدولية على المستوى العالمي، فقد برز دوره في تحسين سمعالسعودية وإيصال صوتها في المحافل الدولية، والتوسع في ذلك إلى أبعد مدى، حتى أصبحت السعودية في زمنه منارة يهتدي بها كل التائهين في البحور المتلاطمة، لقد رحل الرجل النبيل الذي نقش اسمه في نفوس الناس، والذي ذرفت الدموع عليه احتراماً وتقديراً وتكريماً ووفاء وعرفاناً صنيع ما عمل.
خاتمة
كان مشهد رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز رهيباً ومؤثراً، لكن مشهد مبايعة الملك سلمان بن عبدالعزيز كان أيضاً مشهداً مؤثراً ورهيباً وخنجراً في حلوق الأعداء والظلاميين وضربة صافعة لمؤطري الفتنة وناشدي الخراب، الذين يختزنون في أرواحهم البائسة كل ألوان الانكسارات الباهتة، الخارجة عن الأطر الإنسانية والوطنية، لكنه سلمان بن عبدالعزيز باق على العهد والوعد، سيفاً مصقولاً على الأعداء لا ينثلم، صديق للحياة والحقيقة والنمو والتطلع، يعمل بصمت، بعيداً عن النزوع الخطابي، له دور ثمين في ترقيق الرقيق، وتجميل الجميل، وتطويع الصعاب، شخصيته تعج بالهدوء والحكمة وبعد النظر، إن سيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز لا تأتي دفعة واحدة، إنها أكبر من أن تستوعب في وقت قصير، وفي حيز محدود، وفي كل الأحوال ستظل السيرة الذاتية لهذا الرجل الكبير عطرة وغنية لا يمكن عدها أو حصرها، لقد منحنا قلبه وعقله وإبداعه، وفي المقابل سنمنحه عقولنا وقلوبنا وإبداعاتنا، وستتشابك أيدينا الآن أكبر من أي حفرة وخديعة وفم نتن وإعلام مأجور ومؤامرة وضيعة، نحن الآن كتلة وحدوية كبيرة تهابها كل الكتل.