فيصل خالد الخديدي
الكتابة لعبة.. هكذا يراها المؤلف المسرحي فهد ردة الحارثي.. اللعبة ممتعة ومسلية، ولكن هذه المتعة والتسلية ربما تقودنا لكثير من الألم والملل والخوض في أوجاعنا، وهو ما يطرحه دائماً في لعبة الكتابة فهد.. يخلق شيئاً من الدهشة في كتابته لعروضه المسرحية، ويمارس اللعبة باحترافية، بأن يجعلها نصوصاً مفتوحة تتسع لكل أوجاع وآلام المجتمع فتحاكي هموم الشخص البسيط، وتلامس أشجان المثقف والأديب، وتقتات على فتات المطحونين، وتضيء حروفه قناديل الأمل لهم.. ولنا وللجميع بغد مشرق رغم حلكة الحاضر واحتضاره..
(بعيداً عن السيطرة) عمل مسرحي من تأليف فهد ردة، وإخراج سامي الزهراني، قدمه شباب مسرح الطائف بمتعة بصرية تشكيلية فائقة الجودة، وعمق في النص، انتصر فيه الكاتب لذاته في انتصاره لإنسانية المثقف الحقيقي وحياة نصوصه وإبداعه، وملامستها لهموم الناس، وتسليط الضوء على أوجاع المهمشين والبسطاء، ودع الثقافة الحياة بحياة المثقف, ولم يكن نصاً خارجاً عن السيطرة تأبيناً لكاتبه بقدر ما هو حفلة تأبين لكثير من شخصياتنا المجتمعية التي فقدت إنسانيتها، وتغيرت بوصلة ملامحها بعيداً عن السيطرة. أما المتعة البصرية فكانت حاضرة جنباً إلى جنب مع لعبة الكلمة ومتعة الحرف والحوار، التي انتصر فيها المخرج والسينوغراف المبدع سامي الزهراني للفكر بجمال وإتقان، وأثث الفضاء بسيطرة بصرية متزنة وغنية بعناصر بصرية، لعب بها وبمشاهديها في متن وهامش في بناء تصاعدي، بدأ بجسد الممثلين وحركتهم التي ملأت فضاء المسرح بتناغم مع الأثاث البسيط الذي تحول بتوظيفهم وحركتهم إلى فضاء مزدحم بإتقان، فكان المتن، المتمثل في الممثلين والشاشة الخلفية التي تقدمت لمنتصف المسرح وبعض الكراسي التي وُظفت لأكثر من غرض، متناً يعج بالحياة والأحداث, فيما كان الهامش ينبض بحياة أخرى، ولكن في هدوء وبأضواء أقل حضوراً وإبهاراً, وكانت اشتغالات المخرج على الهامش بخطوط من خيوط ضوء، تتحرك كلعبة متحركة، وتغير مسارها ليتغير معها الشكل العام للهامش بحركة ناعمة وهادئة من ممثلين مارسوا دور الهامش بهدوء غير مزعج للمتن، وأيضاً كان هناك في الهامش أجزاء من دُمى معلقة بسقف المسرح، تبدأ العرض بملابس وأزياء، وتنتهي بنهاية العرض، قد جردت من كل ملامح الحياة، وسقطت حتى مما كانت عالقة فيه كما هو حال المهمشين. أما الإضاءة فقد كانت لعبتها في العرض لعبة لا تقل عن المكونات السابقة من نص وأثاث.. فالإضاءة وصور العرض المرئي من البروجكتر أشعلت العرض بالحياة، ونقلته بسلاسة وتسلسل من فضاء إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى، في توافق وتجانس مع النص والفكر الإخراجي. أما الممثلون فكان أداؤهم متوجاً لجميع الجهود، وكانوا الرهان الناجح لاكتمال اللعبة.
ترنيمة أخيرة:
يا أيها النخلُ
هل ترثي زمانك
أم مكانك
أم فؤاداً بعد ماء الرقيتين عصاك
حين استبد بك الهوى
فشققت بين القريتين عصاك
محمد الثبيتي - رحمه الله -