د.خالد بن صالح المنيف
ذات يوم تساءل أرسطو قائلا: ما أرفع خير يمكن أن يبلغه الإنسان بجهده؟ وبعد تأمل واستقراء وجد أن دهماء البشر ونخبتهم اتفقوا على أن السعادة هي غاية الخير عندهم!
طوابير من الأنفس تسعى لتسعد، وتجتهد لتأنس, ولكن الكثير منها تاه عن الطريق!
هل يُظن أن ممن تتجه إليهم الأنظار وترنو إليهم الأبصار من أغنياء ومشاهير بمعزل عن الهم والألم!
فقد يصنع المالُ التعاسة! وربما سكبت الشهرةُ أكواب من الشقاء على صاحبها! وربما سلب ما يظنه الناس خيرا الغمَ على أصحابه!
إن السعادة حالة ذهنية وسمة شخصية. والحال هذه مزاج يروح ويجيء وفي هذا الشأن يُذكر أن الأديب والكاتب المصري الشهير أحمد أمين أصيب بمرض شديد كاد أن يفقد بسببه بصره. كتب بعد هذه التجربة الأليمة في كتابه “حياتي”: «إن خير هبة يهبها الله للإنسان مزاج هادئ مطمئن، لا يعبأ كثيراً بالكوارث، ويتقبلها في ثبات، ويخلد إلى أن الدنيا ألم وسرور ووجدان وفقدان، وموت وحياة، فهو يتناولها كما هي على حقيقتها من غير جزع.
مما حال بين بعض النفوس والسعادة أنها لاتزال غرقى في مستنقعات الماضي الاليم أو عالقة في سراب المستقبل الزائف, تتمنى ما لا تملك, لا تبصر جميلا ولا تستنشق عبيرا؛ تكومت في عقولها قناعات سلبية وتراكمت عليها أفكار بسيطة حتى قُتل في حسها الجمال وصغرت في نظرها عظيم النعمّ! فمن الأخطاء الكبيرة التي يمارسها الكثير أنهم ربطوا سعادتهم في منصب أو مبلغا من المال أو مسكنا وقطعوا على أنفسهم عهدا أنهم لن يسعدوا حتى يملكوها! وفات عليهم أن السعادة لا ترتبط بموعد! والتجارب أكدت على أنهم لن يسعدوا ولو حصّلوا ما تمنوا! ومن جعل للسعادة موعدا؛ فأغلب الظن أن هذا الموعد سيتخلفّ! والنتيجة شقاء دائم!
والسعادة تحتاج إلى مهارة في إدارة ما نملك, وليس في انتظار تملك ما نفقد!
قرأت حكمة غيرتني كثيرا مفادها: أن البعض يلهث يبحث عن السعادة وسيظل يلهث ولكن من ينالها هو من يصنعها! والقاعدة تقول: إن ظروفك الحالية وما تملكه من ممتلكات ووظيفة ومال وقدرات يفي بمهمة إسعادك! ولست محتاجا للمزيد!
تذكر يارفيع القدر أن أسعد البشر ليسوا هم من يمتلك أفضل الأشياء؛ بل هم من يتعامل بشكل أفضل مع ما يمتلك! وايرين باركس له كلام جميل في هذا الشأن حيث قال: يجب أن تصنع سعادتك بنفسك وإن لم تتصنع السعادة اليوم فالغالب أنك لن تستطيع غدا!
وإذا ما كانت الحياة تسير بعكس ما تريد فلا تتوجع, هي فقط تنتظر منك التحلي بعادات وأفكار جديدة جيدة والتخلي عن أخرى سيئة!
فلتتعلم أن تستدعي السعادة من الآن!
تعلم كيف تعيش هانئا اليوم رخي البال قرير العين!
والدرب ميسر والحل قريب سهلٌ؛ فقط استيقظ في كل صباح وقد اتخذت أهم قرار في يومك!
ألا وهو قرار السعادة! فلا تسمح لتوافه الامور وصغائر الأحداث وحمقى البشر أن ينال من أنسك أو أن يكدر صفوك! وثق أن السعادة أمر داخلي وشأن شخصي يعتمد على نحو كبير ما لديك من أفكار وقناعات ورؤى، وسأهديك اليوم وصفة رباعية تستطيع معها بإذن الله من تتنسم نسائم السعادة والالتحاف بردائها وتلك الوصفة ستعمل على إيقاف سيل الهم ومن ثم التحليق بك في فضاءات الأنس والفرح الرحبة:
1. عندما تتكدر ويضيق صدرك غير وضعك الجسدي وارسم ابتسامة جميلة على محياك الطلق، فابتسامتك أولا تعني الكثير لمن حولك وثانيا فإن الابتسامة تفرز هرمونات السعادة والتي تساعد على تغيير حالتك النفسية.
2. استحضر خمسة نعم ومنح وهبك الله إياه (أسرة -عمل-صحة-أمن -أصدقاء) وتخيل فقدها إن أردت استيعاب قدرها ومعرفة أهميتها! وستجد نفسك في حال أفضل عندما تدرك أنك تملك الكثير والكثير! وينصح ماركوس اوريليوس بألا تملأ عقلك بالأشياء التي تتمناها واجعل تركيزك على ما تملك ولذا كان من أصعب الحقائق في طباع النفس هو ميلها لنبذ الحياة ومخاصمة الفرح عندما يلذ لها أن تحلم بواحة غنّاء عبر الأفق وقد غفلت عن بساتين الورد في حديقتها الخلفية.
3. من أهم أدوات تغيير الحالة النفسية هي أن تنشغل بشيء مفيد؛ فلا شيء يفتت الهم مثل العمل! وفكرته تدور حول أحد قوانين إدارة العقل المهمة وهو قانون التركيز؛ فالعقل لا يستوعب أكثر من فكرة؛ فعندما ينشغل الإنسان بعمل فالتفكير يكون منصبا عليه! لذا لا مجال لاستدعاء أي مشاعر سلبية.
4. تفاعل مع الجمال استمتاعا وتأملا؛ فلا يمر عليك الروض الاخضر دون ابتهاج, ولا تمر عليك النغمة العذبة دون أن تطرب، احضن صغيرك باستمتاع، تلذذ بوجبة الطعام, اضحك من قلب فالضحك دواء عاطفي ومضاد قوي؛ فمن يضحك يصمد بحسب المثل النرويجي, استمتع بالجلوس مع من تحب وتذكر أخيرا حين تغتني عقولنا بالأفكار العظيمة سنكتشف روعة الحياة حينها!
ومضة قلم
أمنع السجون وأشدها فكرة سيئة يسجن بها الإنسان نفسه فلا استطاع أن يتخلص منها ولا هو قادر على تحقيقها!