فوزية الجار الله
(1)
«تالله تفتأ تذكر يوسف» قالها إخوة يوسف لأبيهم، و»تالله» تفتأ المرأة لدينا تشتكي أوضاعاً لا تملك حلاً لها سوى عبر تنهيدة أو يضع كلمات!
سافر سائقنا إلى بلاده مؤخراً، حل المساء وكان لدي موعد هام ونظراً للحواجز المحيطة بالشارع المجاور والحفريات لم تعد سيارات «الليموزين» تعبر بسهولة في الجوار ولم أستطع «تحميل» التطبيق على الهاتف «الجوال» بسبب مشكلة في البرمجة، خرجت وأنا أحمل حقيبة اللاب توب بيدي، وقد بدوت بمظهر سيدة أعمال دون أن أتعمد ذلك، وقف شاب صغير بسيارته العادية يسألني فيما إذا أردت الركوب، أشرت له بيدي أن لا..! فليس من المنطقي أن أنساق بالركوب مع شخص غريب بسيارة غير رسمية..
بعد قليل توقفت سيارة أخرى أكبر أيضاً ليست ليموزين وقد صرفتها بإشارة من يدي.
مر أمامي رجلان أحدهما بدا بقميص وبنطال وبمظهر أنيق حيث بدا أنه من إحدى الجنسيات العربية أما المرافق له فقد بدا عاملاً غير عربي، نظر إليّ الرجل الأنيق قائلاً بشيء من التعاطف: هل أوقف لك «ليموزين»؟!..
شكرته وقد امتعضت بشدة، وأنا أتساءل، ماذا لو كنت أقود سيارتي الخاصة؟ ماذا لو لم أخرج هذا المساء؟ ماذا لو لم أكن في هذه الصحراء، ماذا لو لم أكن امرأة؟ ماذا لو..؟!
***
(2)
لم تكن تريد جرحاً آخر لذا فقد كانت بعيدة ونائية وهي تتأمل عينيه المتعبتين بمنتهى الحذر، تحاول جاهدة تصنع اللامبالاة أثناء بحثها عن عبارات تائهة هنا أو هناك، لكنها وحيدة مثل زهرة غريبة في صحراء منسية، حين جاءها صوته بعد بضع خطوات وقفزات وكم من الصرخات المكتومة وبعد أن تنهدت بارتياح داخل ثوب حريري دافئ واسع يليق بالأوقات الصعبة، بدأ حديثه متسائلاً: هل توافقينني الرأي منذ مدة وأنا أعاني سلسلة لا تنتهي من العقبات بدأت بمرض أمي ثم خسارتي في مشروعي التجاري الذي وضعت آمالي فيه ثم تنكر بعض الأصدقاء لي، أنا أرى أن كل ذلك بسبب «عين» أصابتني..
أليس كذلك؟! حينها شعرت بأن عاصفة باردة اكتسحت سكينتها وهدوء لحظاتها، تساءلت: هل تبكي أم تضحك أم تردد مع فريد الأطرش «ياشمس قلبي وظله» أغنية جميلة لكن لا وقت للغناء..
يستعيدها الحزن وشيء من كلمات في الذاكرة: تذكرت عبارة جدتها رحمها الله «جيتك يا عبدالمعين تعين...».
****
(3)
في العادات والتقاليد التركية عندما يتقدم شاب لخطبة فتاة، تقوم العروس بإعداد قهوة للضيوف، ثم تضيف لقهوة العريس ملحاً بدلاً من السكر فإذا شرب الفنجان بدون أي شكوى فذلك يثبت أنه سوف يعمل أي شيء لأجل عروسه الآن وفي المستقبل، الحكاية تشير أيضاً إلى عراقة وأصالة حضور القهوة في التقاليد التركية.
هنا يتبادر إلى ذاكرتي سؤال: هل في الرجال الشرقيين الآن ذلك الصبر المحمود الذي أشارت إليه الحكاية؟!