سعد بن عبدالقادر القويعي
القلق السائد- محلياً ودولياً- من المسار- المباشر والصاعد-، حول التدخل الإيراني في العراق، وإصرارها على أن يكون لمشروعها الخاص نحو العراق بعدان: بعد سياسي، وبعد مرجعي ديني، دفع بدول مجلس التعاون الخليجي -قبل أيام- إلى رفض هذا التدخل، ودعمها للشعب العراقي في مواجهة خطر الإرهاب،
على أساس التعايش، والاعتراف بخصوصية مكونات المجتمع العراقي، وليس بالتنازل عنها، أو بمحوها عن الآخر.
يعاني العراق -اليوم- فلتاناً أمنياً، وعدم استقرار، وفساداً هائلاً في ظل سيطرة النفوذ الإيراني. وما تقوية، وإعادة تسليح الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران مباشرة، وتدعيم صفوفها، وتحت الإشراف المباشر، والسيطرة الكاملة للحرس الثوري الإيراني على ميليشيات «حزب الله العراق»، وما يسمى بـ»عصائب أهل الحق»، و»جيش المختار»، إلا دليل واضح على دعم إيران للنظام الطائفي الشيعي، ومواجهة أي تهديدات يتعرض لها؛ من أجل تحقيق مصالحه في المنطقة، والحيلولة دون انهيار تلك المصالح.
وقد خصّصت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية ملفّا مطوّلا عن التواجد الإيراني في العراق -قبل أيام-، تحت العنوان الفرنسي للملف، وهو «L›Iran perce en Irak»، فالترجمة الأولية، والواضحة للعنوان الفرنسي، هي:
«إيران تظهر في العراق»؛ لكن الجملة الفرنسية تحتوي على لعب صوتي بالكلمات، يعكس -إلى حدّ ما- الحقيقة الموجودة على أرض الواقع، فكلمة perce/perse تعني في اللغة الفرنسية «الفرس»، أي: المعنى الضمني للعنوان الفرنسي، هو: «إيران الفارسية في العراق». وهو ما أكده علي يونسي، بأن: إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد
-حاليا-، وهي مركز حضارتنا، وثقافتنا، وهويتنا -اليوم-. -وكما في الماضي- يقدّم المعنى الضمني للعنوان الفرنسي أحد أبرز التفسيرات التي يرتكز عليها الخبراء، والباحثون في قراءاتهم لأسباب التواجد الإيراني في العراق، وهي أسباب تتجاوز بعدها الاستراتيجي السياسي الراهن، إلى أبعاد أخرى تاريخية، وطائفية، وعقائدية، -وأيضاً- نفسية عند بعض المحلّلين، وفهم هذه الأبعاد يؤدّي بدوره إلى استيعاب مدى خطورة التواجد الإيراني في العراق. كما لا يشكّك أغلب الخبراء، في أن ما يواجهه العراق -اليوم- من مؤامرات إيران، مردّه الهزائم التي منيت بها الإمبراطورية الفارسية في العراق، الأمر الذي ولّد رغبة مرضية انتقامية، غذّتها أفكار ولاية الفقيه التوسّعية، وتعقيدات الملفّات الإقليمية، والاستراتيجية الحالية.
حوّلت إيران المنطقة إلى بؤرة ساخنة من النزاعات العرقية، والفتن الطائفية، الأمر الذي هدد أمن، واستقرار المنطقة؛ ولعل تدخلها السافر في العراق، يكشف عن وجود علاقة خفية بين طهران، وواشنطن، جمعت بين القوتين بطرق غير مسبوقة؛ لتحقيق الأهداف الإيرانية على المدى البعيد، من خلال تصعيد الأدوار التي تقوم بها القوى الموالية لإيران في دولها في الداخل، وعلى الصعيد الدولي، -إضافة- إلى تهديد الأمن الإقليمي، وأمن الدول المجاورة في المنطقة. -ولا شك- أن تلك العلاقة ستشكل مفارقة ذات أبعاد مهمة على مسار الشرق الأوسط، وقد تعلن عن صفقة كبيرة بين الدولتين، تصل إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، من شأنها رفع العقوبات الاقتصادية، وإطلاق يد الإيرانيين؛ لتصدير ثورتهم في المنطقة، بعد أن تم تسليم العراق بالكامل لإيران.
يندرج ما سبق ضمن إطار استراتيجية إيرانية جديدة في المنطقة العربية، - وعليه- فإن درس العراق يجب أن يُفهم منه: إن انتصار إيران في العراق، هو انتصار لمشروعها الشرق أوسطي -كله-، وعكس ذلك سيكون سقوطا مدويا للمشروع الصفوي، باعتبار أن نتائج لعبة التوازنات ستقرر مصير الشرق الأوسط.