أ. د.عثمان بن صالح العامر
أتعجب كثيراً وأتساءل بحرقة وألم حين أسمع وأشاهد وأقرأ وأتابع حكايات وقصص شباب الوطن فلذات أكبادنا، أبنائنا، ثروة الوطن الحقيقية وأعز ما نملك وهم في سن العشرين أو أكثر من ذلك أو أقل ينتظمون في منظومة الإرهابيين ويلتحقون بركب الخوارج الغلاة المتطرفين، ويمارسون أشد أنواع العدوان، ويقترفون أقسى ألوان الإفساد والفساد في الأرض، وعلى من!؟ ولمصلحة من!؟ ما السبب الذي يدفعهم لزجّ أنفسهم في معسكر أعداء الوطن!؟، ولماذا كل هذا في حق بلدهم الطاهر وأرضهم المباركة، بلاد الحرمين الشريفين التي منّ الله عليها بنعم لا تعد ولا تحصى، يعرفونها كما يعرفون أباءهم وأهليهم وذويهم ومن حولهم!؟.
نعم أتعجب وأتساءل عن أُسر هؤلاء، آبائهم، أمهاتهم، إخـوانهم، أخواتهم، كل من يعيش معهم تحت سقف واحد منذ الميلاد وحتى تاريخه، أين هم عن هذا الولد فكراً وسلوكاً، تصرفات وقرارت !!؟.
إننا في زمن الاختطاف بأنواعه وأشكاله المختلفة، ليس فقط للأبناء الذكور بل للجنسين على حد سواء، ولا يقتصر على من هم في سن المراهقة، بل يشمل جميع الأعمار ومختلف الشرائح والفئات، وأشد أنواع الاختطاف وأخطرها فتكاً وأعظمها أثراً «الاختطاف العقدي» الذي مارسه ويمارسه مع شبابنا الذين ما زالوا في مرحلة البناء والتكوين الثقافي والفكري دعاة الإلحاد والزندقة من جهة، ومنظرو التطرف ومفكروه ومخططوه ودعاته والمطبلون له من جهة أخرى.
وهناك اختطاف العقول، والأرواح، والأجساد، والأموال، والأنفس وغير ذلك كثير، سواء عن طريق المخدرات أو مواقع الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي الذي فتح الفضاء لكل من هب ودب ليرسل ما شاء لمن شاء وكيف شاء وفي أي وقت شاء.. ولذلك فمسئولية الأبوين في هذا الزمن عظيمة، وواجبهم كبير، وأمانتهم أشد من ذي قبل حتى لا تفقد الأسرة الولد أو البنت وهما بينها يعيشان، ومعها يسكنان، وعلى مائدتها يأكلان، ولكن بلا عقل ولا روح.
وحتى يتسنى للوالدين حماية رأس مالهما الحقيقي، ويضمنان بعد توفيق الله صلاح ذرياتهما يجب عليهما أن يحرصا على التربية الحازمة الرحيمة الواعية والمدركة لحجم التحديات، العارفة لطبيعة المرحلة، المستبينة سبل النجاة في عصر العولمة الصعب، ولا يغفلوا عن الدعاء لهما بالصلاح والاستقامة والتزام منهج الحق البين الواضح صباح مساء.
إننا في زمن تتجاذبنا فيه نزعات النفس ورغباتها؛ فتارة تجذبنا ذات اليمين وأخرى ذات الشمال، وتتلاطم بنا أمواج الحياة فتغرقنا، أو أنها تقذف بنا نحو شاطئ النجاة، وهذا وذاك يحتاج منا أن نجيد ضبط النفس والتحكم بنزواتها وشهواتها، وفي ذات الوقت نتقن فن التجديف في ظلمات بحور الحياة، ليس هذا فحسب، بل لابد أن نرسم معالم خارطة الطريق لأبنائنا حتى يسيروا على بصيرة ودراية بعيداً عن التجاذبات والاختطافات التي تترصدهم صباح مساء.
الموضوع ليس سهلاً، وطرحه والتحدث عنه في هذا الوقت بالذات من الضرورات، والتذكير به والتوعية والثقيف حوله مسئولية الجميع بلا استثناء، فالخطر يتربص بنا ويطرق بيوتنا، بل هو داخل غرفنا، وربما البعض منا لا يعرف حجمه ولا آلياته وتقنياته وسبل مغرديه ومريديه ومرتاديه القريب منهم والبعيد.
إنني أكتب هذه السطور وأنا أعلم أن هذا الأمر قد يصعب على البعض ولكن لابد من بذل الجهد وإعطاء جزء من وقتنا لأبنائنا وبناتنا والجلوس معهم والاستماع لما يقولون، ومعرفة مع من يمشون ويسهرون ويسافرون ويجلسون ويأنسون، وإلى ماذا يطمحون، وبماذا يفكرون، وكيف يخططون، ويعلم الله أنني هنا لست شامتاً ولا كاملاً، ولكن متذكراً ومذكرا وما توفيقي إلا بالله.
إن الأبناء هم مستقبل الوطن وثروته ورأس ماله، ومتى أحسنّا تربيتهم وَحَرَسْناهم بعد حفظ الله لهم من أي اختطاف يسربلهم، فسيكونون عدة الغد وآمال القادم من الأيام، دمتم بخير ورزقنا الله وإياكم صلاح النية والذرية، ووقانا جميعا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.