رقية الهويريني
لكل واحد من البشر قوة كامنة تساعده على مكابدة الألم وتحمّل التوتر، وهي قدرة تختلف من شخص لآخر، بحسب الإمكانيات النفسية والجسدية التي وهبها الله للإنسان، وبما ساهم هو بذاته في صقلها وتدريبها.
وفيما تعبُر الآلام والمصائب والهموم على حياة المرء، فكأنها تسلك جسراً، حيث لا يتضرر جسده ولا يفقد شيئاً من أعضائه، كما يظل الشخص الطبيعي محافظاً على قواه العقلية وصحته النفسية، إلا أن تحمله لتلك الكوارث يتوقف على قوة ومتانة جسر التوتر الآدمي المبني على قواعد الإرادة والصبر، والمقام على أعمدة التفاؤل والأمل. ولا شك أن بناء هذا الجسر يستغرق وقتاً، ويستنفد طاقة وجهداً، ولكنه يقوى ويتمدد ويصبح عند كل اختبار أشدَّ على تحمل التوتر وأقدر على مواجهة الصعاب! وكثرة المتاعب تقويه وتدعم أركانه وتسند زواياه.
وعلى المرء دوماً المحافظة على هذا الجسر، لأنه هو الكفيل بحماية الجسد والنفس من التوتر، حيث يشكل دعامة وخط دفاع لكل ما يحيط بالهيكل الجسدي من آفات وأخطار وأوبئة، وما يعتري النفس من ألم وقهر وإحباط وقلق ويأس. وإن لم يبذل جهده بالعناية به؛ فإنّ جسده سينوء بتلقي المتاعب وستنكسر نفسه من جراء توالي المصائب وتتالي حالات التوتر.
والمحافظة عليه تبدأ بالإيمان واليقين وحسن الظن بالله والتوكل عليه، ثم المران والتدرب على الصبر والحلم والأناة، وإطلاق الفكر بالإيجابية مما يحفز النفس ويقويها، فيشتد بأس الجسر ويصبح أكثر تحملاً وأقدر على مواجهة التوتر. ويشعر بذلك ـ مثلاً ـ من مرّ بامتحانات دراسية، فإنه يجد أن أشد الامتحانات هو اليوم الأول، وبعدها يكون سلساً انسيابياً، وأقل وقعاً في النفس وأدنى قلقاً. ومن مرت من السيدات بلحظات الإنجاب، تدرك أنّ الولادة الأولى هي الأصعب بما يحيط بها من غموضٍ وخوف وترقب وجهل، ولكنها تجد نفسها أكثر استعداداً وأشد بأساً على مواجهة الألم عند الولادات التالية! ويجري ذلك على أغلب أشكال البدايات التي تتسم بالتخوف.
وفي حين يبقى الموت هو الأمر المجهول، لذا يخشاه الناس ويهابه البشر! وهو القادر على كسر الجسر وتحطيمه، وبانهيار الجسر تخور القوى وتضعف النفس وتتضاءل الطاقة.
لذا... حافظوا على جسور التوتر بعيدة عن مستوى أجسادكم، وارفعوا أعمدتها وأقصوها عن نفوسكم. فلم أرَ مثل التوتر كاسراً للنفوس محنياً للظهور!