نجيب الخنيزي
مرت البشرية منذ طفولتها الأولى، وعلى مدى تاريخها الطويل، بمراحل وتطورات مفصلية، حددت إلى حد كبير طابع وآفاق تطورها اللاحق. وقد لعب العمل وظروف وشروط العمل وتطور أدواته دوراً محورياً في انتقال الإنسان الأول من الحياة الطبيعية إلى الطابع الإنساني، أو ما يعرف بالتشكل الاقتصادي - الاجتماعي، على بدائيته وتبايناته في درجة تطوره في ذلك الحين، ومن ثم عبر مراحله المختلفة إلى وقتنا الحاضر، حيث التشكل الاجتماعي الاقتصادي الحديث، الذي ارتبط تاريخياً بالنهضة الأوروبية، وعصر الأنوار، والثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا منذ مطلع القرن السادس عشر، التي فرضت نوعاً من التجانس العالمي تحت هيمنة الدول الرأسمالية - الإمبريالية، التي فرضت سيطرتها على معظم أصقاع العالم القديم والعالم الجديد (القارتين الأمريكتين وأستراليا). وبطبيعة الحال، فإن ذلك التجانس كان وهمياً أو مجازياً حيث سيطرة المركز على باقي الأطراف.
حجر الرحى في ذلك التطور التاريخي يعود إلى تطور العلوم والتكنولوجيا والتقنية التي امتلك ناصيتها واحتكرها الغرب على مدى قرون. وقد استخدم تلك الميزات في ترسيخ سيطرته وهيمنته الكونية. وكان العنصر الحاسم في ذلك امتلاكه السلاح الحديث، الذي عمل باستمرار على تطويره منذ البندقية الآلية، ومروراً بالمدافع والصواريخ والبوارج والطائرات الحربية، وانتهاء بالسلاح النووي. وبقدر الإنجازات المذهلة التي تحققت على صعيد التقدم الحضاري - الصناعي - المعرفي، والتي انعكست في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية، وتحسين نوعية الحياة والمعيشة لقطاعات واسعة من البشر في شتى أنحاء المعمورة، فإن تطور تقنية السلاح وأدوات القتل والتدمير الشامل مثَّل الجانب المظلم والبشع لتلك الحضارة. لقد قُتل مئات الملايين من البشر، وتم إبادة السكان الأصليين في قارات عدة إبان الحروب الاستعمارية، أو في الحروب ما بين الدول الرأسمالية المتنافسة، على غرار الحربَيْن العالميتَيْن الأولى والثانية. وقد تجاوز ما قُتل من الناس في حروب القرن العشرين الفائت كل قتلى الحروب والصراعات على مدى تاريخ البشرية قاطبة.
وفي الواقع، فإن كل ما يصرف على الأبحاث الطبية وسبل مكافحة الأمراض المزمنة، القديمة منها والجديدة، فضلاً عن مواجهة خطر التلوث البيئي والتصدي لمشكلات الفقر والبطالة والسكن والتصحر وشح المياه، وبكلمة تحسين نوعية الحياة للبشر، يشكّل نسبة ضئيلة مقارنة بما يصرف على الأبحاث العسكرية وتقنية واقتناء السلاح بشتى أشكاله، حيث تحتل المجمعات العسكرية والصرف على التسلح والأمن وتقنية التنصت على الدول والأفراد المرتبة الأولى مقارنة بالمجالات الحيوية الأخرى.
وبدلاً من أن تعمل الدول الأخرى، وبخاصة الدول الكبرى، على التوصل إلى اتفاقية دولية ملزمة وشاملة بحظر إنتاج وتطوير تقنية السلاح النووي، وغيره من أسلحة الدمار الشامل، والعمل على تدميره بشكل كامل، نراها تواصل العمل على تطوير وتعزيز ترسانتها النووية والكيماوية والجرثومية، بل من منطلق مصالحها الاقتصادية والتجارية المحضة تقوم ببيع وتسهيل وصول الأسلحة المدمرة وتقنيتها، بما في ذلك تلك المحظورة دولياً، إلى دول أخرى بدون مبالاة بالآثار المدمرة التي قد يشكله ذلك على الأمن والاستقرار في العالم، أو المناطق التي تشهد صراعات وتوترات إقليمية شديدة، على غرار ما هو حاصل في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها البلدان العربية وإسرائيل وإيران، حيث باتت تلك الدول تحتل المرتبة الأولى في العالم على صعيد نفقات التسلح.
الجميع يعرف أن إسرائيل تحوز أكثر من 200 قنبلة نووية، كما تسعى دول عدة في المنطقة لحيازة السلاح النووي أو التقنية النووية، وغيرها من أدوات الدمار الشامل. وقد سبق أن استخدم النظام العراقي السابق السلاح الكيماوي ضد شعبه، كما أن هناك قرائن قوية على استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد المناطق المعارضة. السؤال المطروح هنا: إلى متى يستمر تحكم المصالح الجشعة للدول الكبرى وشركات السلاح فيها، وذلك على حساب حياة البشر وتطلعاتهم لعالم يسوده الأمن والاستقرار والحرية والعدل والمساواة؟