ناصر الصِرامي
لفتني تشديد سابق من أمين عام اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات الأستاذ عبد الإله بن محمد الشريف، على أنه لا يُوجد ما يُسمى بـ»المخدرات الرقمية»، معتبراً إياها مجرد وهم نفسي..!
والحقيقة أنني أحترم جهود اللجنة، رغم أنها تفتقد للتجديد والإبداع والوصول إلى أجيال اليوم في ممرات العالم الافتراضي، لكن أعتقد أن تصريح الأستاذ الشريف، حالة إنكار عاجلة، ووضع خاتمة، أقرب منها للاستشراف لمستقبل مفتوح يحمل كل الاحتمالات، ولا حد لخياله أبداً..!
في عام 1839 اكتشف العالم الفيزيائي Heinrich Wilhelm Dove أنه إذا سلطت ترددين مختلفين قليلاً عن بعضهما لكل أذن، فإن المستمع سيدرك صوت نبض سريع. سُميت هذه الظاهرة بـ binaural beats. استخدمت هذه الآلية لأول مرة عام 1970 من أجل علاج بعض المرضى النفسيين، لا سيما الاكتئاب الخفيف والقلق، وذلك عند رفضهم العلاج الدوائي حيث كان يتم تعريض الدماغ إلى تذبذبات كهرو مغناطيسية تؤدي لفرز مواد منشطة كالدوبامين وبيتا أندروفين، وبالتالي تسريع معدلات التعلُّم وتحسين دورة النوم وتخفيف الآلام وإعطاء إحساس بالراحة والتحسن.. واعتبر موقع Psychology Today أنه يمكن استخدام هذه التقنية لعلاج القلق.
ذلك يا سادة، في آخر الثلاثينيات، وبدايات الأربعينيات الميلادية، ولنا أن نتخيل حجم القفزة التقنية الضخمة والهائلة من ذلك الوقت إلى هذه اللحظة، ما علمنا منها وما لا نعلم.
المخدرات هي مواد تصل إلى مراكز معينة من الدماغ لتؤثر عليه حسب طبيعة كل مادة مخدرة، وهو تأثير يوجه للدماغ من قبل وسائط أخرى صوتية أو ذبذبات مختلفة. قد تبدو هذه بساطة علمية، لكنها لا تخلو من حقائق خطيرة وممكنة أيضاً.
حيث إن المخدرات الرقمية، كل نوع من الأمواج الصوتية والترددات تقوم باستهداف نمط معين من النشاط الدماغي، والنتيجة تأتي طبقاً لمدة التعرض والظروف المحيطة، وأحياناً يتم الاستعانة بالبصر - صور وألوان متحركة - لزيادة تحفيز الدماغ..!
وحسب تلك المواقع، فإن الجرعات «الصوتية» التي يقدمونها تعمل على محاكاة تأثير نفس التجربة في العالم الواقعي ويقصد هنا المخدرات الحقيقية، إلا أن تأثير الرقمية يبدو - حتى الآن - مجرد إيحاء يعتمد على مدى تقبل الشخص لها، وأن تأثيرها نفسي وليس كيميائياً.. طبقاً لمتخصصين.
هناك مواقع محدودة على الإنترنت «تدّعي» تقديم المخدرات الرقمية وتسوّقها على أنها آمنة ومشروعة، حيث لا يُوجد قانون يجرِّم الاستماع إلى ملفات صوتية في أي دولة حول العالم.. وهناك من يوفرها عبر عدة منصات مختلفة بدءاً من تطبيقات للهواتف المحمولة، وحتى برامج تعمل على ويندوز وماك وملفات صوتية أخرى، لكن قد يكون غالبها يبحث عن المال، فالمخدرات الرقمية هذه - كما تُسمي نفسها - ليست مجانية، ولكنها مكلفة، وبالتالي تجعل من يحاول الوصول لها عرضة للسرقة والاحتيال.
لكن أعود لما بدأت به المقال، لا يفترض أن نتحدث عن حالة إنكار لخيال علمي محتمل، نشهد مقدماته البسيطة جداً، لكن ما يمكن أن يظهر مستقبلاً لا حدود له، لا ننسى أن هناك برمجيات تسعى الآن إلى نقل الروائح عبر الإنترنت!.
طبعاً بالإمكان حجب مثل هذه المواقع المشبوهة، التي تقدم هذا النوع من الذبذبات والأصوات والأشكال، لكن الحجب هو الآخر أصبح أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن غير ممكن أحياناً، مع تنوع التطبيقات المختلفة.
صحيح أنه ليس هناك دليل علمي على أنها تسبب الإدمان أو مضاره، رغم انتشارها لدى الغرب قبل خمس سنوات.
لكن ما يجب أن يتم الآن، هو الاستعداد عبر الوعي والتربية والتحصين الذاتي أولاً، ثم فرض القوانين المناسبة للمواجهة.
في المخدرات الرقمية مثلاً، لن يكون الوعظ التقليدي كافياً، ولا الحملات الإعلامية المكررة مفيدة، فهي لم تنفع أصلاً مع المخدرات الحقيقة رغم صعوبة تهريبها وجلبها للبلاد...!
إنه دائماً مستقبل مفتوح في خياله ومستقبله، وإمكانياته، لا حد لعقل الإنسان - أيها السيدات والسادة - إلا جهل الإنسان نفسه!