ناصر الصِرامي
كتبت قبل عام ونصف عن بداية الحرب الطائفية المذهبية في العالم الإسلامي والعربي، وسط ارهاصات المواجهات الأولية آنذاك، والتنوع الانشطاري للجماعات والمليشيات المسلحة المتطرفة ذات المرجعية السنية والشيعية في المنطقة على حد سواء. وهي حرب تبدو اليوم واضحة المعالم في العراق وسوريا ولبنان وإيران، إضافة إلى محاولة اصباغ ذلك على الوضع في اليمن رغم التفاوت.
والحقيقة أننا الآن نعيش هذه الحرب والمواجهات التي قد تكون هي الجزء الأبرز في صفحة الحرب العالمية الثالثة. ولنعيد التذكير بحرب الثلاثين عاماً، وهي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا في النصف الأول من 1600، وقعت معاركها بدايةً في أراضي ألمانيا الحالية، ولكن اشتركت فيها تباعاً معظم القوى الأوروبية الموجودة حين ذاك، فيما عدا إنكلترا وروسيا.
وخلال سنواتها الثلاثين تغيرت تدريجياً طبيعة ودوافع الحرب، وبعد ان كانت صراعا دينيا بين «الكاثوليك» و»البروتستانت»، انتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى بين فرنسا والنمسا، ففرنسا الكاثوليكية حينها ساندت الجانب البروتستانتي في الحرب لإضعاف منافسيهم، ولتعزيز موقف فرنسا كقوة أوروبية بارزة، ما أدى لاحقاً إلى حرب مع إسبانيا.
حرب الثلاثين عاماً، استخدمت فيها جيوش المرتزقة على نطاق واسع، وتسببت في تدمير مدن ومناطق بأكملها. وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلاك عدد هائل من السكان، جعل الأرقام تتفاوت لكنها تظل بالملايين. وأُفقرت العديد من القوى المتورطة في الصراع. استمرت الحرب ثلاثين عاماً ولكن الصراعات التي فجرتها ظلت قائمة بدون حل لزمن أطول. وخلال الحرب انخفض عدد سكان بعض المناطق بأكثر من الثلث، وانخفض عدد سكان ألمانيا من الذكور -وحدها- بمقدار النصف تقريباً. والجيش السويدي لوحده دمر 2000 من القلاع و18000 قرية و1500 مدينة في ألمانيا، أي ثلث المدن الألمانية..!
فالحروب المذهبية والدينية أمدها طويل دائماً، وخسائرها فادحة، وكما في الحروب الدينية فالكل يعتقد أنه مكلف بأمر سماوي رباني لتطهير العقيدة والأرض، قبل الصعود إلى جنة الخلد..!
اليوم في العالم العربي والإسلامي، وفي ظل التصدير الإيراني لثورته، والاحتلال الإيراني للعراق وسوريا والتحكم بسيادة لبنان، انتشرت المليشيات الإرهابية ووجدت أرضاً خصبة للتجنيد والتمويل والدعم، فالحرب المذهبية هي الغطاء المناسب جداً لبروز وتضخم المليشيات الإرهابية من الجانبين، ناهيك عن المستفيدين منها، والموظفين لها.
داعش - أو تنظيم دولة الخلافة -كما يحب أن يسمي نفسه، هو في اقوى حالته العسكرية والمالية، كما سيطرته الجغرافية التي تأخذ نصف الأراضي السورية ومساحات كبيرة من العراق. كما جماعة النصرة، وشظايا القاعدة، ثم يقابلها حزب الله الإيراني في لبنان والعراق وسوريا، وعصائب شيعية مذهبية مسلحة ومتطرفة في طول العراق وعرضه.
لقد تجاوزنا مرحلة التفاوتات السياسية والخلافات الفقهية. إننا نتحدث اليوم عن مواجهات دموية، وتهجير للسكان وتجنيد للشباب والأطفال، وسباق تسلح كبير في مواجهة اصبحت واقعاً، وستصل نارها إلى عنان السماء.
هي الآن حرب مذهبية إسلامية دموية في العصر الحديث، وليست توقعات، حرب مستعرة وشرسة، وقودها التطرف والمذهبية، فأعضاء المليشيات السنية والشيعية المسلحة أعلنوها نفيرا عاما، واصبحوا أقوى من الدولة في العراق سوريا ولبنان. ولن تتوقف الحرب إلا بإبادتهم جميعاً، وقتل وتشريد الملايين، كما حدث في أوروبا، وربما أسوأ، حيث سيتدخل المجتمع الدولي لضرب هذا وتأديب ذاك، محدثاً المزيد من الخسائر والتصفيات للمليشيات الإرهابية.
نعم، حرب مذهبية شيعية سنية، ستجد استجابة شعبية عربية وإسلامية، في ظل المعاناة من أزمة هذه الثنائية المذهبية القاتلة.
ولنتذكر دائماً أن حجم التطرف والاحتقان والجهل العام في الشارع السني والشيعي، وفي العالم العربي والإسلامي كافٍ لاستمرار التمويل المادي والبشري، وبالتالي استمرار الحرب والمواجهة عبر التنظيمات أو العصابات المتطرفة -شيعية وسنية- إلى سنوات قد تكون طويلة.. وطويلة جداً.. جداً.