نجيب الخنيزي
اجتاح تنظيم «داعش» يوم الأربعاء الماضي 20 مايو من الشهر الجاري مدينة تدمر التاريخية التي يطلق عليها «عروس الصحراء»، حيث بات يسيطر عليها بالكامل، وبما في ذلك المنطقة الأثرية في جنوب غربها، والقلعة في غربها، كما احكموا سيطرتهم على القاعدة الجوية والسجن ومقر الاستخبارات التابعين للنظام السوري، ووفقاً للمراقبين، بأن سيطرة التنظيم الإرهابي المتطرف على تدمر فتحت الطريق للتنظيم على البادية السورية وصولا للحدود العراقية، وهو ما أتاح له السيطرة الجغرافية على مساحات شاسعة تصل إلى 95 ألف كيلو متر، أي قرابة نصف مساحة سوريا، حيث يتواجد في الوقت الراهن في تسع محافظات سورية، من بينها حمص وحلب والرقة ودير الزور وريف دمشق، كما بات يسيطر بشكل فعلي على معظم حقول النفط والغاز السورية.
الجدير بالذكر أن معركة تدمر تعد الأولى التي ينتزع فيها تنظيم «داعش» مساحات ومواقع ذات كثافة سكانية كانت تحت سيطرة النظام بشكل مباشر، حيث اقتصر تمدده السابق على مناطق عائدة لفصائل المعارضة السورية المسلحة الأخرى.
لاشك أن تنظيم داعش بسقوط تدمر وجه ضربة موجعة للنظام السوري على الصعيدين العسكري والمعنوي.. سقوط مدينة تدمر التاريخية وذات العمق الحضاري الموغل في القدم يشكل كارثة موجعة حيث باتت منطقة تدمر الأثرية التي تعد من المعالم الحضارية التاريخية القديمة في التاريخ تحت رحمة تنظيم «داعش» الإرهابي، ومع أن السلطات السورية صرحت بأنها قامت بنقل الآثار إلى خارجها، لكن ماذا عن شوارعها الممتدة التي تحيط بها الأعمدة وبوابات ومعابد ومسرح وحانات واكرابول وتتراتيل ومساكن وقصور وخزانات ومدافن وقلعة تاريخية، وهو ما أثار مخاوف منظمة الأونيسكو، نظرًا لغنى المدينة بالآثار القديمة، المدرجة على لائحة التراث العالمي، والتي سبق لداعش أن دمرت شبيهاتها في العراق مثل متحف الموصل شمالي العراق وأثار مدينتي النمرود والحضر التاريخيتين شمال العراق.
لا شك أن سقوط مدينة تدمر على يد تنظيم داعش الذي جاء بعد فترة وجيزة على أحكام سيطرته على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار كبرى المحافظات العراقية سيعمل على تعزيز قدراته العسكرية والمادية والمعنوية، كما أثبت أنه لم يفقد زمام المبادرة والقدرة على الهجوم بل وانتزاع مناطق جديدة تعد إستراتيجية ومهمة.
تحدثنا كتب التاريخ بأن مدينة تدمر كانت تعد من أهم الممالك العربية القديمة التي ازدهرت خصوصاً في عهد ملكتها زنوبيا وكانت حضارة مملكة تدمر تنافس حضارة الإمبراطورية الرومانية القديمة، وقد اشتهرت تلك المملكة في النصف الثاني من القرن الأول بأبنيتها الملكية ومساكن الإدارة وطراز الأبنية العامة والخاصة التي تتسم بالفخامة وتحمل طابع المدن الأفريقية والرومانية، وتنتشر أثار تدمر على بقعة واسعة من البوابات وآقواس النصر، وكانت لتجارة تدمر أهمية كبرى في التاريخ القديم؛ كما كان يمر منها طريق الحرير التاريخي من بلاد ما وراء النهرين إلى إفريقيا والجزيرة العربية كما كانت من أولى الممالك التي كانت تتسم بالتسامح الديني، حيث عثرت الفرق الأثرية على الكنائس ومعبد يهودي إلى جانب معابد لأتباع عبدة النار والشمس والخمر؛ كما يوجد في متحفها تمثال زاخوس إله الخمر وعشتار آلهة الخير وبل حامي المدينة. تدمر التي حافظت على كنوزها التاريخية منذ فتحها خالد بن الوليد في عهد الخليفة أبو بكر وعلى مدى تعاقب الحقب والعهود الإسلامية وحتى وقتنا الراهن مهددة اليوم على يد جحافل تتار القرن الواحد والعشرين.