محمد أبا الخيل
فجعت المملكة يوم الجمعة الماضي بانفجار هز أركان مسجد بقرية القديح بمحافظة القطيف، أزهق به حياة أبرياء وأدمى جراح مسالمين وأثكل أفئدة آمنة وأوجل نفوساً مؤمنة، هذا الانفجار كان بين مصلين يستقبلون القبلة ويرجون رضا رب العالمين، والمفجر المجرم كان يرجو قتل أكبر عدد منهم للقاء «الحور العين»، هذا هو الحافز الذي يدفع مفجري داعش لتمزيق أجسادهم وحرقها في أتون الطائفية، بعد أن تؤدلج أفكارهم وتفرغ أذهانهم من أي قيمة للحياة، وتصبح غايتهم الفناء من هذه الحياة التي فشلوا في جعلها حياة طيبة كما وعد الله سبحانه وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فتطرفهم وسعيهم للقتل والتخريب وإيقاد الفتنة بين المسلمين، ليس عملاً صالحاً، لذا اسودت الحياة في عيونهم وغاب عن عقولهم سبب وجودهم في هذه الحياة الدنيا امتثالاً لإرادة الله رب العالمين (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وأصبح همهم هو الخروج منها بأكثر قدر من التخريب والفساد، فصح فيهم قوله تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
منذ أن بعث النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وبات الإسلام دين الله الذي تعهد نشره وسيادته على الدين كله، لازال هناك من يظهر بين الفترة والأخرى متنطعاً بالدين ومتذرعاً بتفسيرات شاذة ليؤذي المسلمين في عقيدتهم ويمتحنهم في حياتهم ويشغلهم عن معاشهم، فظهرت ملل ضالة ونحل غريبة وبدع شاذة على مر العصور الإسلامية، وكل منها تمور وتصول وتفسد وتقتل ثم تضمحل كما لم تكن، ولكنها تترك ندبة في وجه تاريخ الإسلام، واليوم نحن نعاصر بعضاً من هذه الحركات الشاذة، فالقاعدة وداعش وحزب الله وأنصار الله (الحوثيون)، وغيرها من حركات التسييس وتحقيق الأطماع، كلها حركات لا تريد بالإسلام ولا المسلمين خيراً، هي حركات مشبوهة في أهدافها ومشبوهة في مصادر تمويلها ومشبوهة في طرائقها وتصرفاتها، وهي حركات تعلن خلاف ما تبطن. لذا يظن بها السوء في كونها أدوات للمخابرات الأجنبية أو هي وسيلة من وسائل الصهيونية في تمزيق شمل المسلمين وحربهم، ولكن مهما كانت هذه الظنون ومهما كان صدقها أو زيفها، إلا أن المسلمين يتساءلون، لماذا ينصاع بعض من شبابنا وكأنهم الأغنام لقيادة هذه المنظمات الإجرامية وهم يشهدون إسرافها في القتل والسبي والإفساد في الأرض؟.
اليوم لابد أن نقف مع أنفسنا موقف المتدبر في ذاته والمتبصر في حياته، فالخطاب الوعظي في بلادنا بصورة شبه سائدة هو خطاب تأليب واستعداء للمختلف، وهو خطاب تزهيد في الحياة وتقريع لتجلياتها المعيشية، وهو خطاب مفرغ من مضامين تنموية أو دعوية لازدهار المعيشة والحياة. هذا الخطاب عندما يوجه للشباب بصورة خاصة، وهم عدة الحياة والسواعد التي بها تقوم نهضتها، يصبح خطاباً يحرك العواطف والغرائز خارج إطار الحياة، حيث الجنة والحور العين والحياة الخالية من الضغوط والترف الذي لا يمل، خطاب يستعجل الشباب لبلوغ تلك الحياة السرمدية بقربان الذات حيث الجهاد والزهد في الدنيا وتمثل الموت، دون أن يكون في هذا الخطاب مادة قيمة تجاه الحياة والإنسانية وحسن معيشة المسلم وعمارة الأرض بما وهب الله الإنسان من علم نافع.
الخطاب الوعظي لا شك أنه غير مسؤول بصورة مباشرة عن جنوح الشباب نحو التطرف، فالمسؤول المباشر هم المؤدلجون، الذين يسعون لتجنيد الشباب في صورة مجموعات، يتم شحنها بمفاهيم التطرف وكره الآخر والسعي للخروج من الدنيا بوسيلة تؤلم الآخر المكروه في أذهانهم وإن كان من جلدتهم ومذهبهم، فذلك هو سبيل نيلهم الجائزة العظمى في الخلود في النعيم المرسوم لهم. ولكن الخطاب الوعظي هو المؤسس الفكري لنشاط المؤدلجين وهو الوسيلة التي بها ينفذون لعقول الشباب.
خادم الحرمين حفظه الله وهو رجل العزم والحزم قال في معرض خطابه لولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية «لقد فجعنا جميعاً بالجريمة النكراء التي استهدفت مسجداً بقرية القديح مخلفة ضحايا أبرياء ولقد آلمنا فداحة جرم هذا الاعتداء الإرهابي الآثم الذي يتنافى مع القيم الإسلامية والإنسانية. إن كل مشارك ومخطط وداعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة وسينال عقابه الذي يستحق، ولن تتوقف جهودنا يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم»، نرجو أن تكون بداية الحزم في تصحيح مسار الخطاب الوعظي ليكون أكثر فائدة ويكون رافداً من روافد الأمن والاستقرار في بلادنا التي نرجو الله القدير أن يحفظها بعظيم سلطانه.