د. عبدالرحمن بن محمد الغزي
لا تجد بيتاً في الزلفي يواد من حاد الله ورسوله وولاة الأمر ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو أبناءهم؛ ذلكم أنهم يرون أن طاعة ولي الأمر - ما لم يأمر بمعصية - من طاعة الله وطاعة رسوله. وتلك عقيدة عندهم، لا تصح عبادتهم بدونها. ومن عجيب ما يقع للمرء وهو من أهل هذه البلدة الطيب ذكرها وأهلها أن تجد منهم من يقع في طاعة من يهديه إلى طريق الضلال، وصرفه طباعه قسراً إلى طباع من يضله ويقوده إلى عذاب الحريق، إلا ما شاء ربك.
ثم إنك لتجد الخطب المفظع، والحادث الأشنع.. والداء الدوي أن يحدث ذلك من شاب ينتمي إلى محافظة مُحافِظَة على دينها ومروءتها وولائها مثل الزلفي التي أحبها سلمان، وأحبه أهلها. وأكثر ما يكون الهلع فيه إذا كان من أسرة يرجى خيرها ويؤمن شرها كأسرة القشعمي المعروفة في الزلفي بصدق الولاء وحسن الانتماء، والثبات عند اللقاء، وإكرام الضيف، وحسن الإيواء.
لا يا صالح.. أنت من قوم ضربت الأمثال في سيرهم، منهم الوجهاء والعلماء والأدباء.. يقال: أنخى من قشعمي، وأصدق من قشعمي.. هؤلاء هم أهلك يا صالح، منهم الشيخ عبدالرزاق القشعمي - رحمه الله - وقد عُرف بعلمه وعقله وزهده. ومنهم الشيخ عبداللطيف القشعمي وجيه الجوي (قرية من قرى الزلفي)، رئيس لجنة جباية الزكاة، وسادن الجامع وإمامه فيها، زاره الشيخ محمد بن عثيمين وأئمة الحرم، بدءاً من الشيخ سليمان بن عبيد وانتهاء بصالح الحميد. ومنهم عبدالله بن عبدالمحسن القشعمي إمام وخطيب جامع قرية الثوير في الزلفي لأكثر من ثمانين سنة، متعه الله بحياته، وجمعنا به ووالدينا في جنته.
لا يا صالح.. فالجميع شهدوا لأسرتك بالخير والولاء والوفاء لولاة أمرنا من عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وإلى يومنا هذا، وسيبقون ونبقى على العهد ما حيينا.
أنت من أسرة خلصت من عكرها وسوء معتقدها خلوص الخمر من نسج الفدام، فأحدهم يغني عن ألف من غيره.
يدل بمعنى واحد كل فاخر
وقد جمع الرحمن فيه المعانيا
فالقشعميون أنوف في الكرم والأدب والخلق، ينبثقون عن الجيد، كما تضرم النار من مادة فإذا هي شعل، ثم تضرمها من مادة أخرى فإذا هي لهب صاف يتألق. وهذا سر لم ينتبه إليه أحد ممن عايشوا وعاشوا مع هذه الأسرة الكريمة. قال أبي - رحمه الله - عنهم: اشدد يدك على من عرفته منهم، وادرس الرجل منهم على هذه الطريقة فستجده نابغة في جيد الكلام، وستجد الأنفة عنده كأنما فرضت عليه فرضاً؛ لأنه كذلك أُلهم، وعلى ذلك ركب طبعه، فأحدهم:
فتى يملأ الأفعال رأياً وحكمة
ونادرة أحيان يرضى ويغضب
لا يا صالح.. فأنت من أسرة شأنها شأن النوابغ في الدنيا. فالكيس لا يمهر بإرادته، ولا يخلق في نفسه مادة ليست فيها، وإنما هو يولد مهيأ بقوى لا تكون إلا فيه وفي أمثاله من رجالات الزلفي، فهم وأمثالهم زائدون على غيرهم ممن لم يرزقوا هذه الصفات بصدق الولاء والوفاء، كما يزيد الجوهر على الحجر، والفولاذ على الحديد، أو الذهب على النحاس.
ثم تتفاوت هذه القدرات في الرجال، فتتنوع وتتباين وتعمل فيها أحوالهم وأزمانهم، ويستقل منها بطريقة ومذهب.
لا يا صالح.. فغيرك يعلم أنني وأنت من محافظة الرجل منهم كالقاضي العدل، يضع اللفظ موضعه، ويعطي المعنى حقه، بعد طول النظر والبحث عن البينة، أو كالفقيه الورع: يتحرى في كلامه، ويتحرج خوفاً على دينه. فنحن قوم لأجل ديننا وأمننا وطاعة ولي أمرنا صادقون، لا يبالي الرجل منا فيما لقي ولا حيث وقع.
وولاة الأمر يعرفون الزلفي وأهلها فهم لات الولاء وعزاه ومناته الذين يؤمنون بحق ولاة الأمور، وبه يعدلون. فنحن:
لا كما قد حييت غير حميد
وإذا مت مت غير فقيد
لا يا صالح.. كيف تخالف مذهب أهلك، الذين شرفت بهم ولم يشرفوا بفعلك، خالفت في فعلتك التي فعلت وأنت من الظالمين. فأهلك ومحافظتك يتبرؤون من فعلك الخارج عن الدين والعقل. فغيرك يفخر به أهله وجماعته، وهو يفخر بفعله وعقله ودينه.. فهلا سمعت أبا الطيب المتنبي يقول:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضاد
وعوذ الجاني وغوث الطريد
لا يا صالح.. لن تغير نظرة ولاة أمورنا إلى محافظتنا؛ فهم يعلمون من هم أهل الزلفي، والثمرة الفاسدة لن ولم تفسد الثمار اليانعة الصالحة.
ما جريمة مَنْ قتلت؟ ألأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فهم في هذا منا ونحن منهم. نترحم عليهم ونعزيهم، وندعو لمن مات منهم، ونجتمع معهم على مائدة حفظ أمننا وديننا.
فلن تفرق بيننا وبينهم.. الدين واحد، والبلد واحد.. وولي أمرنا واحد.. نجتمع عليه، ونتفرق على غيره.
لا يا صالح.. نعزي ولي أمرنا، ونعزي أنفسنا، وأكون أول المعزين إلى ذوي موتانا، بعد الترتيب المسبق مع ذوي القاتل، وأعيان المحافظة.
وأخيراً إليك يا خادم الحرمين:
تنقدح النار من مضاربها
وصب ماء الرقاب يخمدها