صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ
جرائم التفجير في الجوامع مرفوضة ومنكرة بجميع المقاييس، فدين الإسلام لا يقر هذا في أي مذهب من مذاهبه، ولا في أي قول من أقوال علماء أو فقهاء جميع المذاهب الإسلامية؛ بل إجماع العلماء على ما دلت عليه الشريعة ودلائل الكتاب والسنة أن هذا الفعل فعل محرم، وفوق الحرمة هو كبيرة وجريمة, وأيضا محرم مضاعف لكونه في بيت من بيوت الله تعالى، وهذا نقرره بإدانة هذه الجريمة النكراء, والتفجع الكبير أن يكون هذا التفجير موجها للمصلين الذين قدموا للمسجد لصلاة الجمعة وأن يكون بتفجير المسجد عليهم وهو ما نتج عنه وفاة أكثر من عشرين مصليا، وعشرات من المصابين والجرحى.
وإننا بهذه المناسبة نتوجه بالعزاء إلى أهليهم وذويهم ونقول للجميع: إننا يد واحدة مع ولاة أمورنا في مواجهة كل ما يستهدف هذه البلاد، ويد واحدة أيضاً ضد المجرمين الذين يستهدفون أي فرد من أفراد هذه الأمة السعودية وسنكون له بالمرصاد، وسيلقى عقابه وسيكون المجتمع بعامة يواجهه بجميع أنواع المواجهات، وسيكون المجتمع بعلمائه، ومفكريه وإعلاميه وذوي الرأي فيه، والمؤثرين، والمحللين، وأساتذة الجامعات وكل من له تأثير سوف يكون يدا واحدة لرد الإجرام على أهله، وأخذ الحق لأهله، والدم له أهله كما قال: - جلَّ وعلا - وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا (33) سورة الإسراء الذي قُتل مظلوما في الشرع له الحق، وولي الأمر والدولة - رعاها الله - قامت في ذلك بما يجب وستلاحق هؤلاء المجرمين عاجلاً وسيلقون جزاءهم هم ومن كان خلفهم، ومن دعمهم أو ساعدهم أو تعاطف معهم.
ثانيا: هذه العملية تبنتها «داعش»، و»داعش» كما هو معروف، ومنتشر حركة صنعتها الاستخبارات لأهداف كثيرة ومتنوعة منها فيما أحسب:
1 - تشويه صورة الإسلام، وتشويه صورة الشريعة الإسلامية حتى لا ينتشر الإسلام في العالم، واليوم أصاب العالم ذعر وخوف من الإسلام، وهو ما يسمى في الغرب «الإسلام فوبيا» يعني الخوف من الإسلام، ولم تعد كلمة الخوف من الإسلام مجرد خوف فعلي وإنما بعد أن كان خوفا فعليا صار الآن اسما على المسلمين، وهذا من أهداف إيجاد هذه الحركة أن تشوه الإسلام حتى لا ينتشر، ويكون مثالا سيئا دائماً.
2 - من أهداف نشوء هذه الحركة ودعمها من قبل جهات استخباراتية معادية لحقيقة الإسلام - أيضا-: تفتيت بلاد المسلمين, فنجدهم اليوم انتشروا في طول الوطن العربي بخصوصه من الخليج إلى المحيط وبدأت تتكون هذه الجماعات ايضا في عدد من الدول الإسلامية غير العربية في أفريقيا، وآسيا, هذه الجماعة تهدف إلى تهيئة تقسيم بلاد المسلمين بأن تكون الدول جاهزة للتقسيم بعد أن تنهك بالحروب والدمار، وكما ترون الآن العراق، وسوريا، وليبيا كيف هو وضعها؛ وهو ما يريدونه للبلدان الأخرى, وكذلك المملكة العربية السعودية لا أستبعد أن يكون هدف هذه الفئات بأفعالها المشينة إثارة الفتن، والقلاقل والانتقامات المتنوعة في المملكة حتى يكون تهيئة للفتن المفضية للخراب والدمار وتهيئ لأمور لن تحصل - بإذن الله تعالى - لأن دولتنا قوية مستمسكة بالكتاب والسنة، والناس ولله الحمد - رعايا هذه الدولة- ومن يعيشون فيها يعون هذه المسألة, فـ»داعش» وسيلة لتهيئة الدول للتفتيت, بل هناك أكثر من ذلك، وهو تفتيتها بتغيير البنية السكانية بتغيير نسب الديانات، والمذاهب والأعراق ونحوه بالتهجير والقتل وهو ما يسمونه التغيير الديموغرافي على الأرض, ولا يبعد عنا أن أفعال داعش تصب في مصلحة أعداء أمتنا العربية أولاً، والإسلامية ثانياً، فالأمة العربية -أعني دولها- استهدفت أولاً؛ بإضعافها وإنهاء جيوشها شيئاً فشيئاً بالنزاعات الداخلية وهذا لمصلحة إسرائيل، ودول أخرى في المنطقة أيضاً ولمصلحة قوى عالمية لكي تصبح الدول العربية دولا بدون تنمية، ولا جيوش ولا ولاء، وهو ما يهيئ أن يفعل بهم ما تريده القوى الأخرى وهذا ظاهر في نتاج أفعال داعش.
3- أن «داعش» فاقت بمبادئها، وأفعالها الخوارج الأولين، فالخوارج الأولون الذين خرجوا في زمن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الخليفة الراشد الثالث الذي شهد له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة وأجمع المسلمون في وقته على أن يكون خليفة لهم، ظهروا في وقت كل الذي فيه هم خيرة صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالخوارج خرجوا ولم يكن ثمً كتب لعلماء ولم يكن ثم أقوال لعلماء يستندون إليها ولا مذاهب أو اتجاهات، فما ثم إلا القرآن وسنة لم تدون بعد, وفيه خيرة الصحابة من العشرة المبشرين بالجنة أو أكثرهم، وأهل بدر، والمهاجرين والأنصار وخرجت الخوارج من بين أولئك الخيرة من الناس وهو ما يدعو إلى التأمل في أن ظهور الجماعات المنحرفة لا يجوز أن يُعزى إلى استناد إلى مذهب أو إلى فئة أو عالم، كما يقول بعضهم: إن هؤلاء يذهبون إلى المذهب الفلاني أو استندوا إلى كذا، أو استندوا لابن تيمية، أو إلى العالم الفلاني؛ هذا كله التماس للأعذار وخلاف للواقع، لأن الواقع في سيرة الخوارج هو أنهم لديهم رأي هدف، واتجاه أولا، ثم يذهبون يبحثون عن الأدلة التي يزعمون أنها تدل على ما يذهبون إليه، فهم حددوا الرأي والهدف، ثم بحثوا عن الأدلة من القرآن في وقت عثمان - رضي الله عنه - واستدلوا ليبرروا جرمهم بقتل عثمان - رضي الله عنه - وكان استدلالهم على فعلهم بالقرآن إذ لم يكن عندهم أقوال علماء, فهل يجوز لأحد أن يقول: إن الخوارج خرجوا بسبب القرآن؟ لا يمكن أن يقول ذلك أحد، ولا قاله أحد، وهل يجوز لأحد أن يقول إن الخوارج خرجوا بسبب الصحابة إذ تتلمذوا عليهم فكان مشايخهم الصحابة فلأجل أن الصحابة عندهم فهم خاطئ في الإسلام خرجت الخوارج؟ هذا لم يقل به أحد، ولذلك فالانحرافات العقدية التي تكون في الأمة الكبيرة هي انحرافات في قلوب أصحابها وعقولهم, فهم أتوا بآراء من قبل أنفسهم ولم يستسلموا للدين ثم بحثوا فيه عما يساعدهم لتبرير انحرافهم ولهذا قال الله - جل وعلا - في أول سورة آل عمران هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (7) سورة آل عمران فالآية تشخّص لنا حال أهل الأهواء كالخوارج وداعش {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} فالله - جل وعلا - جعل في القرآن آيات واضحات لكلأحد يقرأ العربية، وآيات متشابهات غير واضحة ليرجع فيها لأهل العلم ليوضحوها بتفسيرها.
ذهب الخوارج للمتشابه وفسروه من قبل أنفسهم ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ، تأويله يعني الذهاب في تفسيره إلى غير التفسير الصحيح، فإذاً هي موجودة في النفوس، الفتنة موجودة في نفوسهم قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ، فما جاء ضلالهم بسبب وجود الآيات وإنما لزيغ موجود في أنفسهم ثم ذهبوا يبحثون عما يستدلون به لذلك الزيغ وهو ما حصل في كل الفرق الضالة التي نشأت في التاريخ الإسلامي، فكل فرقة منهم يتبنون آراء في نقاشات ثم يبحثون عما يساعدهم من الأدلة. وبعد وجاءت السنة بعد القرآن، وكان فيها أيضا ما هو واضح يفهمه كل أحد، وفيها شيء يحتاج إلى بيان وتفسير من أهل العلم، ولكن أهل الأهواء إنما يفسرونه أيضا على ما أرادوا.
سئل علي بن ابي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - من أين أوتي الخوارج؟، يعني كيف ضلوا وهم بين الصحابة؟ قال: من العجمة أتوا يعني أن عدم معرفتهم باللسان العربي هو الذي جعلهم يؤولون هذه التأويلات، ويذهبون هذه المذاهب، وهذا نراه في عبر القرون إلى وقتنا الحاضر.
وهنا أُريد من هذا السياق أن أبين نقطة مهمة للغاية، وهو أن من قتل عليا - رضي الله عنه - يتقرب إلى الله بقتله وهو عبدالرحمن بن ملجم، ومن قتل عثمان بن عفان يتقرب إلى الله بقتله وهذه فتنة عظيمة كبيرة لله حكمة في وجودها، ولكن يجب مواجهتهم وقتلهم كما جاء في الحديث: (أين ما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم لمن قتلهم أجراً عند الله)، هؤلاء ما كان عندهم إلا القرآن وبعض ما سمعوه من الأحاديث، ثم فيه صار لديهم استدلال أيضا بالسنة، ثم استدلوا بقول العالم الفلاني، والعالم الفلاني بعد أن دونت الكتب، فكما أن في القرآن محكما ومتشابها، وفي السنة محكم واضح ومتشابه، فكذلك كلام العلماء وكتبهم إذا قرأها صغار الذي فهموا الواضح الذي يشترك الناس في فهمه، وفسروا الآخر على حسب أهوائهم، وزيغهم. ولذلك من الغلط العلمي الكبير في منهج العلم، وفي التاريخ، وفي نشأة الخوارج، ومعرفة مناهج الفئات الضالة المنحرفة أن يُحمل كلامهم على كلام أي عالم لأنه ليس الشأن أنهم يقولون: قال فلان، بل الشأن أن يكون الفهم صحيحاً وهم دائماً يحتجون مع ضعف العلم والعلم بنقل يقول: هذا يكفر، وهذا يقول بسفك الدم، وهذا يقول مثل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول بالانغماس أنه يجوز, ويقول أحدهم: انغمس، انغمس لأن هناك فتوى فقهية بالانغماس في العدو، ولو قرأ كلام أهل العلم في معنى الانغماس وفهمه لكان ضد كلامهم فلا بد أن ينبه الناس أن كلام العلماء فيه محكم واضح ومتشابه غير واضح، فليس العلم أو الحجة أنك تأخذ كلاما وتنقله، بل لابد أن يعرف هل هذا هو كلام الشخص في كل مواضعه؟، أو في موضع واحد؟ فيحمل على سائر كلامه، لكن لو ردوا إلى الرسول، وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) سورة النساء لأن الشيطان يأتي في الموطن الذي فيه اشتباه.
ولذلك من الخطأ أن ينسب «داعش» لابن تيمية، أو للدعوة السلفية، أو لما يسمونه -ونحن لا نقر هذه التسمية- للدعوة الوهابية، هم يأخذون نقلا من هنا، ونقلا من هنا من كلام، لكن مثل يقولون قال الله تعالى، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يحتجون بالقرآن وبالسنة يذكرون الأدلة لكن القرآن والسنة منهم براء، وكذلك السلفية منهم براء، وابن تيمية منهم براء، وعلماء الدعوة الإصلاحية للشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتلامذته، والدعوة الإصلاحية في العالم أيضاً منهم براء، اليوم كل يتسمى بالسلفية وليس الشأن في التسمي، وإنما الشأن في من يفهم كلام السلف، أما الذي يأخذ له نقلا، أو نقلين من كتابين أو ثلاثة، ويقول: هذا قال كذا، وقال: كذا, ليس هذا هو العلم لأن العلم فهم كبير لكل أجزائه، ولذلك من الغلط الكبير أن ينسب أحد خروج هذه الفئات المجرمة الضالة مثل «داعش»، والقاعدة ونحوهم إلى ابن تيمية، أو الدعوة الإصلاحية، أو السلفية، لأن هذا الأمر يلزم منه لزوماً لا محيد عنه أن ننسب خروج الخوارج إلى الصحابة، أو القرآن فلم يكن عندهم إلا القرآن والصحابة كيف خرجوا؟ كيف قتلوا عثمان؟ وكيف قتلوا عليا؟ ويتقربون إلى الله بقتلهم.
عبدالرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان في المدينة متعبدا يقرأ القرآن ويحسن التلاوة والتجويد وأرسل عمرو بن العاص قال: أريد أن ترسل لي يا أمير المؤمنين رجلاً يُحسن القراءة، ويُعلم الناس في مصر فكتب له عمر إني مرسل إليك عبدالرحمن بن ملجم -وهو ليس صحابيا، بل شاب صغير كان مهتما بقراءة القرآن- وقد أثرتك به على نفسي -يعني أعطيتك إياه وأنا أرغب ببقائه عندي-، ذهب إلى مصر وهناك قلبه الخوارج فجاء وشارك في قتل عثمان ثم قتل عليا وإرسال عمر رضي الله عنه وتزكيته له يعطيك درسا وفائدة أن الشخص قد يُزكى، ويُثنى عليه باعتبار ما كان عليه وقت التزكية، وأما ما هو سيكون عليه فغيب لا يعلمه إلا الله - جل وعلا - ويعطيك أيضا أن الجهل هو الداء، فهو لم يتعلم الفقه، ولم يتعلم من الصحابة، كان يقرأ القرآن ويتعبد فأثروا عليه وأضلوه.
ونخلص من هذا أن نسبة هؤلاء مثل «داعش»، و»القاعدة» وما يسمى بالجماعات الجهادية إلى السلفية أو إلى منهج السلف نسبة باطلة وعلماء السلف لا يقرون لهم بذلك لأنهم وإن تسموا بذلك لكن لم يراعوا حقيقة منهج السلف - رضوان الله عليهم - ولم يأخذوا به كافة وإنما أخذوا شيئاً وتركوا أشياء آمنوا ببعض وتركوا بعضا.
النقطة الثالثة: من أهداف داعش هي استغلال الكراهية الموجودة بعض السنة والشيعة لتنفيذ ما يريدون، ويستغلونه لكسب القضية التي تحقق أهدافهم، ويتعاطف معهم الشباب والصغار والذين عندهم رغبة في الانتصار للسنة فمثلا الذي حصل في العراق، وفي سوريا على أهل السنة من الويلات والذبح والقتل والاستهداف والتهجير إلى آخره يستغله هؤلاء فيظهرون صورا، ويظهرون أنفسهم المدافعين الوحيدين عن أهل السنة لإيهام الراغبين في الانتقام أن هذا لا يتحقق إلا بالانضمام إليهم, وإنما أرادوا حقيقة كسب الشباب لتحقيق مخططاتهم، وهنا أمر في غاية الأهمية نريد ان نتكلم عنه: هو أن زرع الكراهية في النفوس بإجمال، وإطلاق وتهييج المجتمعات، وتهييج الشباب في أمور عامة أن هذا من أعظم الأحقاد، ثم بعد ذلك تكون أرضية للفتن ولهذا يجب أن يعلم أن المسؤول في مثل هذه الاختلافات المذهبية والاختلافات الطائفية في الإسلام وفي الشريعة هو ولي الأمر والدولة لأن جميع من تحت ولاية الدولة هم واحد في الحقوق، وواحد في الواجبات، وكما أن عليهم واجبات فلهم حقوق, وعند ولي الامر والدولة يعامل الناس بالسواسية لأن هذا مقتضى العدل، وهذا مقتضى ما أمر الله - جل وعلا - به عباده فمن أظهر ما يخالف دين البلد وعقيدتها، أو ما يخالف النظام وولي الأمر من أي الفئات يؤاخذ، ولا يفرق في العقوبة بين فلان وفلان بالتشهي، وإنما يرجع في ذلك إلى النظام والتشريع، ويرجع فيه إلى أسس, وهذا يجعلني أنطلق الى منطلق آخر مهم في النظرة، نظرة الدولة لرعاياها، وهو أن الذي يحكم الجميع هو نظام الدولة، وولي الأمر المبايع ثم التشريع الذي يطبق في الناس، التشريع الذي يطبق في الناس لابد أن يكون الناس أمامه سواسية وإلا كانت فتن كبيرة بين الناس ولذلك الضمانة الكبيرة للأمن في البلاد هي مركبة من ثلاثة أشياء:
الأول: تقوى الله والخوف من الله - جل وعلا - لأن الذي يراقب الله - جل وعلا - لا يمكن أن يتعدى على عرض:(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، تقوى الله هذه أعظم ضمانة للأمن.
الثاني: الإقرار برعاية الدولة، وسلطة الدولة لأن الدولة: ولي الامر ومن يعاونه، من المسؤولين والوزراء إذا ما نوزعوا في ما يختصون به فرط الأمن، وأصبح كل واحد يجتهد بما يريد ويفعل ما يريد ويعارض ما يريد وصارت حالة البلاد حالة غاب لا أحد يطيع أحدا، فلذلك فإن نظام الدولة أو الدولة كلها إنما كان وجودها لاستقرار الناس ولأمنهم، ولذلك كانت العلاقة الإيجابية بالدولة والمبنية على السمع والطاعة ضمانة للأمن, وهذا معنى مشترك في كل نماذج الدولة في الدنيا قبل الإسلام وبعده، ولما جاءت الشريعة الإسلامية عظمت ذلك بنظام البيعة: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، نظام البيعة يعطي استقرارا لا يعطيه نظام آخر، نظام البيعة الذي هو تشريع البيعة، ومعنى البيعة والمبايعة، وتنظيم البيعة أمر شرعي كبير جاء في الإسلام وهو يعطي هيبة، وصدقا وولاء للدولة، ولأن البيعة ليس عقدا بين الحاكم والمحكوم فقط، بل هي بالإضافة إلى ذلك عقد مع الله يقول الله - جل وعلا - إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ (10) سورة الفتح نظام الدولة في الإسلام والقائم على نظام البيعة يعطي قوة أمنية كبيرة وارتباطا بالدولة لأنها مسؤولة عن الأمن، وكلنا واحد في رعاية مصالحنا جميعا، وهذا يعطينا مدخلا إلى نقطة أخرى في نظام البيعة وهو أن المملكة العربية السعودية نشأت على يد الملك الإمام الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن - رحمه الله - الذي له فضل على أهل هذه الجزيرة عامة، وعلى كثير من المسلمين في غير هذه الجزيرة، والذي حدّها تحت مظلة واضحة تثوم على أمرين هما:
الأول: عقيدة وشريعة واضحة هي الكتاب والسنة.
الثاني: بيعة لولي الأمر وحده والذي يخرج عن هذه البيعة هو خارج عن الشرع, وهذه جعلت الناس جميعا متآلفين متحابين وكل يصل إلى الآخر ومع مضي السنين أصبح الوطن كما تشاهدون وطنا واحدا محبا بعضه لبعض, ويسعى بعضهم بذمة هذا الوطن المملكة العربية السعودية, مختلف فيه المذاهب السنية, متنوعة فيه المذاهب العقدية ما بين سنة وشيعة وغيرها، ومتنوعة فيه عناصر أخرى قبلية ومناطقية، ولو ترك الأمر كما يشتهيه الناس بدون ضابط لأججت المعاني السيئة والكراهية للناس بعضهم على بعض ولتناكرت القبائل والمناطق والطوائف والمذاهب ولتكارهت ولأتى كل بما يثير الثارات التي قبل مائة سنة بل مائتين وثلاثمائة ولعدنا إلى أسوأ حال مما كنا عليه, وهذا لا يجوز بعد أن من الله علينا بهذه الدولة، وبالملك عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - وتوحيده لهذه البلاد ثم أبنائه من بعده إلى هذا الوقت عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهم الله-
وهذا يجعلنا نؤصل تأصيلا موجودا في الشرع، ولا بد أن يعيه الناس: إن أي دعوة للحقد بين الناس وللكراهية بين الناس هي جاهلية مقيتة.
الثالث: من أركان حفظ الأمن هو النظام والتشريع لأن الخوف من الغلط هو الذي يعطي الأمن حتى لو لم يكن عندك أحد، فأي نظام من أنظمة الدولة إنما شرع لمصلحة الناس ولحفظ أمنهم ومن خالفه، فهو يسبب بمخالفته مخالفة للداعي الأمني كله لأن الناس إذا تتابعوا على مخالفة النظام اختل الأمن، ولذلك فإن المجتمع إذا كان يريد الأمن فهو يحققه، بتطبيق قواعد الدولة ونظامها الذي وضع لمصالحهم، وإذا طبق كل فرد نظام الدولة الذي جاء لمصالحه ولو لم يكن عنده قناعة, فالذين وضعوه يعرفون المصالح الكلية، وهو قابل للتطوير.
إذا كان الالتزام بأنظمة الدولة كنظام القضاء والنظام السياسي والاقتصادي وأنظمة المرور, والشركات، والصحة، والعمل وغيرها يحقق الحفاظ على الأمن, فكيف إذا كان ما هو أكبر من ذلك وهو رعاية النظام العام للدولة والذي لا شك أن الالتزام به ورعايته يعطي المجتمع أمنا يحققونه بأنفسهم دون الحاجة إلى من يضبطه، وهذا ما يؤكد ان اختلال الأمن إنما يكون باختلال تطبيق الناس للأنظمة وأن ضعف الأمن هو بضعف الناس، وأن قوة الناس في الأركان الثلاثة، تعطيهم الأمن دون أن يحتاجوا إلى من يحفظه لهم, ولهذا جاء الشرع بذكر هذه النعمة كما في الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (والله ليتمن الله هذا الأمر -يعني الدين- حتى تسير الظعينة -يعني المرأة- من صنعاء إلى مكة لا تخشى إلا الله), لماذا لأن الكل مطبق للشرع فلا يعتدي أحد على أحد، هذه امرأة قادمة من صنعاء إلى مكة لا تخشى إلا الله, لأن كل الناس مطبقون للقانون، مطبقون التشريع، مطبقون العقيدة، صارت آمنة، ولهذا قال: (والله ليتمن الله هذا الأمر) يعني أمر الدين يتمه فإذا تم في النفوس صار نتيجته هذا الأمن على مستوى الدولة والأفراد.
هنا نتوصل إلى أن تأجيج الصراعات بين المذاهب في ظل الدولة يعد افتئاتا عليه، والافتئات معناه التعدي على الصلاحية التي هي ليست للناس وإنما هي لولي الأمر، وفي المملكة العربية السعودية وقبلها الدولة السعودية الأولى، والدولة السعودية الثانية، عاش السنة والشيعة لا يجدون فيما بينهم المحن والعداوات حتى في الدولة السعودية الأولى والثانية، ففي الرياض عاشت أسر كثيرة من مائتين سنة، أسر شيعية يصلون مع الناس ويعملون في صناعة الذهب وهم معروفون وموجودون إلى الآن ولم يعتد عليهم أحد وهم لم يعتدوا على أحد، وكذلك في المنطقة الشرقية والجنوبية أو في أي مكان،تعايشوا عبر السنين لا يوجد هذا الاحتكاك الذي فيه البغضاء.
أما وجود استفتاءات هنا وهناك فثم فرق مهم بين الاستفتاءات الفردية يسأل واحد عن أمر دينه أو عن رأي في الفئة الفلانية، وبين التهييج العام، السنة يسألون عن الشيعة، وعلماء الشيعة يسألون عن السنة وهناك أجوبة أجوبة في الطرفين لا ينتج عنها اقتحام أو إضرار بالآخر هذه أجوبة دينية, ولكن الذي نتج من بعد ثورة إيران ثورة 79م، كان بداية التأجيج ضد السنة ثم صار فيها مضادة ثم كثرت الأسئلة إلى أن جاء وضع العراق ثم وضع سوريا وزادت المسألة وجاءت قنوات فضائية، مواقع تواصل، أناس من المحسوبين على الدعوة ومن بعض العلماء ّإلخ... تكلموا في الأمر بعموم لما هو خارج البلاد، وبعضهم حمله أو طبقه في داخل البلاد، أو تكلم على العموم بشكل يؤجج وصار بداية أحقاد وهذا لا يجوز للناس الدخول فيه لأن الشأن العام لولي الأمر فشأن الطوائف وشأن الفئات التي في المجتمع إنما هو للدولة, وأي شخص يقتحم ما ليس لهو يجب أن يوقف عند حده، لأن هذا شأن الدولة ولا يجوز لأحد أن يقدم عليه لأن مسؤولية الرعية على ولي الأمر، ومسؤولية ضبط الفئات الموجودة مسؤولية ولي الأمر، وولي الأمر في المملكة العربية السعودية عنده دستور الكتاب والسنة، ونظام وأساس يسير بالناس بالسيرة السوية العادلة، لهذا الكثير الآن ينظر في حادثة القديح، يقول: لا تصير بداية لتفتيت الوحدة الوطنية، لأن الوطن اذا تفتت بالشعارات الدينية كان الخاسر الأول الناس، ولا يجوز أن يتعدى آحاد الناس حتى ولو كان من العلماء على ما لولي الأمر وما للدولة من صلاحيات، ودولتنا ولله الحمد عادلة حريصة على كل خير لجميع فئاتها، وذلك ظهر لكم في هذه الحادثة مع ما سمعتم من خطاب خادم الحرمين الشريفين وتعزيته وتفجعه لما حدث، وموقفه الحازم الجازم في أنه يجب بسرعة أن يلقى كل منفذ وكل متعاون وكل مساعد وكل متعاطف معهم أن يلقى جزاءه، وأن يحاسب بقوة، وأن يوقف عند حده.
هذه الحادثة يراد منها تفتيت المجتمع السعودي، وأن يكون هناك رد فعل من الشيعة ضد مسجد من مساجد السنة وليعلم المواطنون في القديح، وفي القطيف وفي غيرها أن أهل السنة في المملكة العربية السعودية كلهم لا يقرون هذا العمل، وكلام ولي الأمر الملك واضح، وكلام ولي العهد واضح، كلام ولي ولي العهد واضح، وكلام مفتي المملكة العربية السعودية واضح، وكلام هيئة كبار العلماء واضح وكلام القضاة واضح، فلا يمكن أن يتجاوز بهذه الحادثة عن حدها، والمجرمون الذين فعلوها معادون للوطن كله بسنته وشيعته، هم قتلوا جنودا وهم يؤدون دورهم وقتلوا ناسا وقبل فجروا مبنى المرور وقتلوا البنات والأطفال في الرياض في مجمعات سكنية وفعلوا غير وهم يردون من هذه الحادثة أن يكون هناك رد فعل مضاد وهذا لا يمكن لأهل الدين، والعقل والمعرفة أن يجروا الوطن إلى فعل، ورد فعل لأن هذا ظلم وعدوان كما قال الله ـ جل وعلا ـ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (15) سورة الإسراء.
أخيراً ننبه من خلال هذا اللقاء العلماء، والخطباء، والدعاة وأئمة المساجد وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم وأنبه جميع من يتولون المناشط الدعوية في المملكة عبر ملتقيات أو مخيمات ومحاضرات، وأنبه مكاتب الدعوة، وتوعية الجاليات، وأنبه أيضاً كل من له عمل خيري ويجمع أموالاً خيرية، ويعطيها المستحقين، أنبه هؤلاء جميعا، بل المجتمع كله -ولكن هؤلاء بحكم اختصاصنا في العمل وزارة الشؤون الإسلامية- أنبههم جميعا أن يواجهوا تجنيد الشباب، وتجنيد الأطفال مواجهة حاسمة، وألفت إلى أن وجود هؤلاء الأطفال ما بين 15 سنة إلى 21 سنة يعد ظاهرة فاقت ما قبلها فكيف يقدم أصحاب هذا السن الصغير على تقبل تخطيط من خططوا له وعلى التنفيذ, لا شك أن هذا شيء يجب مواجهته.
ونحن في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عبر من أسمينا من العلماء والخطباء والدعاة والمراكز وجمعيات تحفيظ القرآن والدعوة والملتقيات سنواجه هذا الأمر بما يجب في المستقبل، كما واجهناه في الماضي ولكن الآن يجب أن يضاعف الجهد وأن يكثف لأن تجنيد الأطفال هذه بداية شركبير وهؤلاء فعلوا شيئا لم يفعله عتاة المجرمين.