د. عبد الوهاب بن منصور الشقحاء
(الليبرالية) مصطلح غريب على مجتمعاتنا العربية، وقد عرفها أحد الليبراليين بأنها «مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ولها تعريفات مرتكزها
الاستقلالية، ومعناها التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي، سواء أكان دولة أم جماعة أم فردا، ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها».
وهدف الليبراليين العرب هو مسخ هوية المجتمع العربي المسلم واستنساخ الفكر الغربي في البلاد العربية والانقلاب على الذات والتقاليد والهوية الإسلامية؛ ولذلك فقد أعلن اثنان من الليبراليين توبتهما عن هذا الفكر ومن خلال معايشة الناس في مجتمعاتنا العربية يتضح أن الفكر الليبرالي ليس له قبول شعبي، وإنما تكمن خطورته في فتح وسائل الإعلام الأبواب لرموزه وللداعين له، حيث إن الليبرالية، في العالم العربي، مذهب بلا كتب إرشادية تبين أهدافه، وبلا تنظيم لها رغم زعم أحد أتباعها أن نشاطها بالعالم العربي مشابه لنشاط الليبرالية الغربية، وقد قال الدكتور عبد الله الغذامي: «إن من يقولون بالليبرالية ما هم إلا أدعياء وهم يجهلون البعد الفلسفي والبعد المتصور لها، ويجهلون القدرة على أن يتمثلوها...». ويقول الدكتور محمد عمارة في بحثه (الدين والسياسة من النظرية إلى العلم): «الليبراليون يرون أن الإنسان سيد هذا الكون... الليبراليون هم أحفاد بونابرت فكرهم وقبلتهم من الغرب... لا علاقة لهم في أصالة الأمة ولا بتاريخ الأمة ولا بدين الأمة. وأن العالم مستقل بذاته، وليس بحاجة إلى مدبر يدير شؤونه من خارج الطبيعة ومن خارج هذا العالم، وغير محتاج إلى شريعة أو إلى دين أو إلى وحي يدير شؤونه من خارج هذا العالم». والليبرالية مراهقة فكرية جامحة مرجعها تأثير العاطفة غير المنضبطة، الناتجة من فترة المراهقة، وإذا أردنا أن نعرف (الليبرالي) فهو «ذلك الشخص الذي يرفع من سقف الحرية الذاتية النفعية، ولو اصطدمت بثوابت المجتمع وأن الليبرالي الحقيقي هو الذي يحس بالنشوة والانتصار عندما ينجح في تمرير رؤيته المصادمة لثوابت دينه ووطنه» كما أن مشروع الليبراليين العرب يغيب عنه الأهداف ولا يدركون معاني المصطلحات التي يطرحونها، وهم بعيدون عن دائرة التخصص للقضايا التي يطرحونها، ويحاولون هدم الثوابت. وهم في كل ذلك يعتمدون منهج الغموض والإثارة المجردة من المضامين عند طرح قضاياهم، وينقسم الليبراليون إلى ثلاث فئات، الأولى: ترى أن الليبرالية تجسيد لمنبر الحرية، مع تحفظهم على حدود تلك الحرية؛ وعدم تعارضها مع ثوابت الأمة ورواسخ الدين. فلا يأخذون من الليبرالية إلا الجانب الإيجابي فيها. الثانية: ترى أن الليبرالية هي التطوير والخروج عن المألوف، دون رغبتهم أو قدرتهم على استيعاب المفاهيم ودلالتها المرتبطة بالليبرالية، أو الاهتمام بالغايات أو رسم للأهدا. الثالثة: وهي الأكثر عمقا وخطورة وجدالا وقدرة على الحوار؛ لأنها تمثل قاعدة التنظير للفكر الليبرالي، وقادرة على توجيه أنصار الليبرالية. وهؤلاء يدعون للتحرر من سلطة علماء الدين، ويرون الفصل بين آراء علماء الدين الإسلامي وبين الإسلام ذاته، ويميلون لإعادة تفسير نصوص الدين؛ لأنه يدعو إلى حرية الاعتقاد وحرية الرأي والتعبير، كما أنهم يناصرون كل عمل يخدم أهدافهم مهما كانت خطورته وتأثيره في المجتمع. ويمجد الليبراليون، عموما، رموزهم، ويتبعون منهج التحزب والنقد الجارح عند المواجهة والاستخفاف بالطرف الآخر، مما يدل على ضعف الرؤية والعجز عن المواجهة. والأدهى من ذلك أنهم يحاولون صبغ الليبرالية بالصبغة الإسلامية، فيقول أحدهم: « إذا أردنا أن ندخل الحداثة... أن نكون عصريين وأن نتواءم مع العصر، فإنه يجب أن نفصل المؤسسة الدينية عن الدولة، فالمؤسسة الدينية جزء من مؤسسات الدولة ولكنها لا تهيمن على الدولة؛ لأنها بذلك تنتقص من سيادة الدولة». ولا يصح أن من الليبراليين من هو مؤمن بقيم المجتمع ومبادئ الدين وقضايا المجتمع، ولا تنقصهم الغيرة على معتقدهم ولا يتساهلون في مكانة ثوابت أمتهم، ولكنهم رغبوا في ركوب موجة التجديد، أو أرادوا الشهرة وريادة التيارات العالمية مع عصر العولمة والانفتاح المعرفي، دون الارتماء في قوالبها وأهدافها، ومن أبرز التوجهات التي ترتكز عليها الليبرالية:
- محاولة القفز على ثوابت الأمة ومبادئ المجتمع الإيجابية المتفق عليها.
- محاولة النيل من خصائص المجتمع ونعته بالتأخر الحضاري والتخلف والهمجية والانحطاط والضعف وأنه مصدر للإرهاب.
- النقد المستمر للنظام التعليمي المرتبط بالناشئة وتربيتهم، وخاصة ما يتعلق بمناهج العلوم الشرعية، واستماتتهم في محاولة تغيير مساره لربطه بالتعليم الغربي الأمريكي.
- محاولة النيل من النشاط الدعوي والدعاة الإسلاميين.
- اتخاذ قضايا المرأة العربية مادة خصبة بغرض تحريرها من الحجاب والاختلاط بالرجال، ويهاجمون التشريع الإسلامي من أجل ذلك.
- تصورهم للحرية بأنها التحرر المستقل عن التبعية لأي منهج أو مذهب أو اعتقاد. ويجعلون الحرية حكرا على عدد محدود من الناس وهم من توفرت لهم القدرة الفكرية والمادية والمعرفية.
- اعتراضهم على كثير من الأحكام الشرعية كالقصاص والإرث وعدة المرأة؛ حيث تصطدم في رأيهم مع حرية الفرد.
وليس لليبرالية مستقبل في العالم العربي فإنها، كما سبقها من تيارات ظهرت وزالت، وذلك لعدة أسباب منها:
- أن الشعوب العربية تحمل عن الليبراليين انطباعات سيئة.
- أن خطابهم يجسم منهجية هشة وضعف القدرة على استشراف المستقبل.
- أن سلوكيات الليبراليين العملية في المناسبات الفكرية تؤكد على عدم القدرة على التعامل مع المواقف بحكمة وموضوعية.
- شعور الليبراليين بالانهزامية والوحدة والغربة داخل مجتمعاتهم.
- تشتت الفكر الليبرالي بسبب انتماء معتنقيه في الماضي لمذاهب وتيارات مختلفة.
وعلى كل حال فالليبراليون لا يحملون مشروعا نهضويًّا جادًّا وهادفًا، وغاية هدفهم فك عرى تواصل الفرد مع دينه وقيمه وأن البديل في رأيهم اتباع مناهج الأمم الأخرى. ما تقدم قراءة موجزة لكتاب بعنوان «الليبرالية» لمؤلفه الأستاذ عبد الرحمن بن صالح المشيقح.