د. أحمد الفراج
يقال إن العقل الباطن يسبق اللسان، أحيانا، وهذا أمر مكلف، ولعلكم سمعتم عن الذي ينادى زوجته القديمة باسم الزوجة الجديدة، ومن ثم تتبع الكارثة، وبالنسبة للساسة، فلا غلطة تساوي فلتة اللسان، فذات زمن بعيد، أراد الرئيس جورج بوش الأب، وكان حينها نائبا للرئيس رونالد ريجان، أن يعرف الرئيس بأحفاده، أبناء ابنه جيب بوش، فقال للرئيس: «هؤلاء أحفادي داكني اللون!!»، إذ إن جيب بوش متزوج من سيدة لاتينية داكنة !!، وكان ذلك أمام وسائل الإعلام، وقد أعاد ذلك المشهد إلى الاذهان تاريج بوش الأب، واتهامه بأنه عنصري، ومتطرف، وهي الاتهامات التي كان قد تجاوزها، وقد بذلت الماكينة الجمهورية جهدا جبارا لمحو آثار تلك الزلة الشنيعة، وبعد ذلك بسنوات، وأثناء رئاسة جورج بوش الإبن، وتداعيات أحداث سبتمبر، عادت فلتات اللسان، فمن يمكن أن ينسى عندما قال بوش الابن: «هذه حرب صليبية»، وهي العبارة التي تداولها الإعلام العالمي بشكل واسع، فهل كانت، حقا، فلتة لسان، أم أنه قال ما يدور في خلده، رغما عن أنف قلبه ولسانه؟!.
قبل فترة، ظهر جيب بوش، المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة، في لقاء تلفزيوني، وكان السؤال: «هل ستقوم بغزو العراق، مثلما فعل أخوك جورج، وأنت تعرف ما نعرفه كلنا الآن عن ملابسات ذلك الغزو»؟!، فأجاب جيب بوش: «نعم!!»، ويبدو أن بوش الأصغر كان يتوقع أن الأمريكيين قد ضاقوا ذرعا بسياسات الرئيس أوباما، والذي انتهج سياسة سلام ضعيفة، أفقدت أمريكا هيبتها، وبالتالي كان يتوقع من الشعب الأمريكي أن يبتهج بشجاعته، فالشعب الأمريكي مغرم بالقوة، ولكن ظنه خاب، فقد كانت ردود الأفعال على إجابته سلبية جدا، ليس فقط من الديمقراطيين، بل من حزبه الجمهوري، أيضا، وقد أسقط في يده، ولا يزال يحاول التبرير بالقول إنه فهم السؤال خطأ!!، فقد اعتقد أن المذيعة كانت تسأله عما إن كان سيغزو العراق لو كان محل أخيه جورج في ذلك الوقت!!، وليس عطفا على الحقائق التي نعرفها الآن عن ملابسات تلك الفترة، ولكن هذا التبرير لم يكن مقنعا، وهذه سقطة مدوية لمرشح كان كثيرون يعتقدون أنه سيكون فرس الرهان في انتخابات 2016، فهل، يا ترى، سيتجاوزها، أم أن ذاكرة الشعب الأمريكي لا زالت تجتر ذكريات غزو العراق، وبالتالي لا ترغب في إعادة سيرة «آل بوش»، وهي السيرة التي ارتبطت بصعود جماعات اليمين المتطرف، والحروب، والدمار الاقتصادي، وهذا ما سنعرفه مستقبلا، ولكن بداية جيب بوش لا تبشر بأي خير!.