د. أحمد الفراج
الجريمة الإرهابية التي ارتكبها عنصري أبيض في مدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا الأمريكية قبل أيام، وراح ضحيتها تسعة من السود، هي الانفجار الذي أعقب سلسلة حوادث ضد السود على مدى السنوات الماضية، وكان معظمها على يد الشرطة!! وجدير بالذكر أن هذه الحوادث زادت كمًّا وكيفاً، وذلك منذ أن أصبح باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة!! والحقيقة التي لا بد من قولها هي أن أمريكا ما زالت تعاني من العنصرية، ولا يزال السود والبيض يعيشون في عالمين منفصلين، رغم مرور قرن ونصف القرن على تحرير السود على يد الرئيس التاريخي إبراهام لينكولن، ورغم مرور نحو نصف قرن على إقرار قانون المساواة بين السود والبيض على يد الرئيس ليندن جانسون، الذي أقر قانوناً كان قد عمل عليه سلفه الرئيس التاريخي الآخر جون كينيدي. ويزداد منسوب العنصرية في عمق الجنوب الأمريكي، حيث ولاية ساوث كارولينا، وولايات ألاباما وميسيسيبي وجورجيا وأوكلاهوما وغيرها، وهي المنطقة التي كانت ميداناً للعبودية بأقسى أشكالها.
الجريمة ارتكبها شاب يدعى ديلان روف، وعمره واحد وعشرون عاماً؛ إذ دخل كنيسة للسود، تقع في قلب مدينة تشارلستون، وجلس مع المتعبدين لمدة ساعة!! ثم أطلق النار، وقتل تسعة أشخاص، أبرزهم الواعظ والناشط السياسي كليمنتا بنكني عضو مجلس الشيوخ لولاية ساوث كارولينا. واختيار الإرهابي الأبيض لهذه الكنيسة لم يكن عشوائياً؛ فهي كنيسة تاريخية للسود، تأسست منذ عام 1816، وشهدت أحداثاً جساماً؛ إذ كانت مركزاً لتجمعات النشطاء السود ضد سياسات الاستعباد، ومن ثم سياسات الفصل العنصري. والأغرب هو أن هذا الإرهابي حصل على المسدس هدية من والده بمناسبة عيد ميلاده، وهذه تحتاج لوقفات. ولعل التحقيقات تبيّن الغموض حول هذا الأمر. وجدير بالذكر أن القاتل كان يصرخ قائلاً للسود الموجودين في الكنيسة: «لقد اغتصبتم نساءنا وسرقتم دولتنا ويجب أن ترحلوا من هنا». فالسود - حسب هؤلاء العنصريين - تم إحضارهم كأرقاء لخدمة الرجل الأبيض، ومن ثم كمواطنين من الدرجة الثانية، أما أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى، ويصبح أحدهم رئيساً لأمريكا، فهذا أمر غير مقبول!! وهذا الشاب قال ما لا يجرؤ على قوله عدد لا يستهان به من الأمريكيين البيض!!
حاكمة الولاية، الجمهورية نيكي هيلي، ألقت كلمة مؤثرة عن الحادثة، وكانت تبكي بألم، وقد ذكرتني الحاكمة بالبعض هنا، من الذين يحرضون الشباب، وعندما يرتكب هؤلاء الشباب أعمالاً إرهابية يشجب هؤلاء المحرضون أفعالهم!! فحاكمة الولاية، والحكام قبلها، لم يبذلوا أي جهد لإزالة علم «الولايات المتحدة الكونفدرالية»، الذي لا يزال يرفرف فوق مبنى حكومة الولاية، جنباً إلى جنب مع علم «الولايات المتحدة الأمريكية»!! وهذا العلم يرمز للعنصرية، ولانفصال الجنوب الأمريكي عن الحكومة الاتحادية، بعد قرار الرئيس لينكولن إلغاء الرق في عام 1860!! وهو القرار الذي كان سبباً في انفصال الجنوب، وقيام حرب أهلية طاحنة، انتهت بإعادة توحيد أمريكا بالقوة!! ومع ذلك فلا يزال علم تلك الحكومة الانفصالية «العنصرية» يرفرف في أكثر من ولاية جنوبية، ومن ضمنها ولاية ساوث كارولينا، التي شهدت الجريمة العنصرية الإرهابية. ونختم بالقول إن شجب الإرهاب، هنا أو في أمريكا، لا يكون دوماً صادقاً، وإن القوانين لا يمكن أن تلغي التشدد والعنصرية، بل تحد منها فقط!!