سلمان بن محمد العُمري
منذ ثلاثة أعوام أكّدت وزارة التجارة والصناعة على منع وضع عبارة «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل»، وأكدت أن من حق المستهلك نظامياً إرجاع السلعة بعد شرائها إذا ثبت له أن السلعة المباعة مغشوشة أو معيبة أو مخالفة للمواصفات أو مبالغ في سعر بيعها وعليه إبلاغ الجهات المعنية بها.
وجرى التعميم والتنبيه على كافة الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية على حق المستهلك وفقا لنظام مكافحة الغش التجاري في إعادة السلعة المغشوشة أو المقلدة أو المعيبة أو غير المطابقة للمواصفات المعتمدة، واسترجاع ثمنها من البائع، مع حق المستهلك في المطالبة بالتعويض عن أية أضرار أصابته نتيجة ارتكاب أية مخالفة للنظام، وطالبتهم الوزارة بالالتزام برد السلعة المعيبة أو المغشوشة أو غير المطابقة للمواصفات وإعادة ثمنها للمستهلك.
وعلى الرغم من قيام بعض المحلات التجارية بإزالة عبارة ‹›البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل›› سواء في الفواتير أو داخل المحلات، إلا أن الواقع الفعلي للكثير من المحلات يؤكد عدم التزام المحلات الصَّغيرة والشركات الكبيرة بالتعليمات واكتفت بإزالة التحذير فقط مع الاستمرار في تعنتها واستمرارها على المخالفة وإصرارها على مصادرة حقوق المستهلك التي لا تتفق مع التعاليم والأنظمة، وقبل ذلك الشرع وهو ما أكدت عليه اللجنة الدائمة للإفتاء، حيث أفتت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية، ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرئه من العيوب الموجودة في السلعة لأنّها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب، وقال ابن قدامة في المغني (4/238) : أنه متى علم بالمبيع عيبا، لم يكن عالما به، فله الخيار بين الإمساك والفسخ، سواءً كان البائع علم العيب وكتمه، أو لم يعلم. لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً. وإثبات النبي - صلى الله عليه وسلَّم - الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب. ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب.
وقد أحسنت بعض المستشفيات الحكومية والخاصة على وضع لوحات تضم آيات وأحاديث في آداب زيارة المريض أو الأدعية التي يقولها المريض أو تقال له، وأتمنى من وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التجارة والصناعة أن تبادر هي الأخرى بالتذكير ببعض الآيات والأحاديث الواردة في أخلاق التجارة ابتداءً بدعاء دخول السوق وكذلك الأحاديث التي تحث على السهولة والسماحة في البيع والشراء والصدق في التجارة والوفاء بالكيل والأمانة وحسن القضاء والنهي عن الحلف والأيمان والاحتكار والغش والخداع، وهذه الآيات والأحاديث مما يفترض علمه من الجميع خصوصاً ممّن يمتهنون البيع والشراء ولكن لا مانع من التذكير للعالم والتعليم للجاهل.
وديننا الحنيف حثنا على حسن التعامل في جميع أمورنا وتعاملاتنا ومنها التجارية ومن ذلك ما روي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى) رواه البخاري، وفي النهي عن الغش ما روي عن أبي هريرة : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غش فليس مني ). رواه مسلم.
والأحاديث في البيوع والتجارة والمعاملات المالية وافرة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، وما أحوجنا للالتزام بها في مجتمعاتنا الإسلامية ومع غير المسلمين، فقد كان التجارة وأخلاق التجار المسلمين وصدقهم وأماناتهم وحسن تعاملهم سبباً في دخول أمم في الإسلام.
رسائل قصيرة:
- من الأهمية بمكان عناية أصحاب المراكز التجارية «الأسواق» بوضع مصلّيات واسعة لمرتادي السوق، والحرص على تجهيزها ونظافتها بشكلٍ دائم. وحريٌّ بقطاعي البلديات والتجارة متابعة التنفيذ، وأتمنى من الأمانات أن تعمل حملة لتصحيح أوضاع المصليات في الأسواق، لأن ذلك يدخل ضمن اختصاصها، وأن لا تمنح التصاريح إلا بعد تحديد أماكن لمصلّيات الرجال والنساء وأن يكون حجمه مناسب لحجم السوق.
- كتابة الفواتير باللغة العربية أمر حسمته وزارة التجارة بل ألزمت أصحاب المحلات على تنفيذه، وهي خطوة تشكر عليها. ويا ليتها تلزمهم باستخدام التاريخ الهجري على الفواتير بدلاً من الميلادي !!
- غلاء الأسعار.. مشكلة متفاقمة وفي ازدياد، وهذا الغلاء له نتائج ظاهرة من خلال عجز الناس على توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها. ونتائج أخرى غير مباشرة من تحول الطبقة الوسطى من الناس إلى الطبقة الفقيرة بسبب ارتفاع الأسعار الذي يتحتم على وزارة التجارة المتابعة المستمرة وبمساندة بقيّة القطاعات الأخرى. والأهم من ذلك دراسة الأسباب الرئيسة وراء الارتفاع المستمر!! وللمعلومية فالدولة لا تفرض ضرائب على التجار، مما يوجب عليهم البحث عن الربح البسيط والبعد عن الطمع والجشع، وبصراحة لو أدّت الجهات المعنيّة دورها وواجبها لتغيّر الحال.. والمواطن غير مقتنع بالتبريرات التي يطلقها ذوي الشأن في العمل التجاري!!