فيصل خالد الخديدي
لم يكن إدراج الفنون الصخرية في منطقة حائل بالمملكة العربية السعودية إلى قائمة التراث العالمي من لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» بالأمر اليسير والهين، حيث استغرق الاشتغال على ذلك عدة سنوات أبرزت فيه القيمة التراثية العالمية لهذه الرسوم والفنون الصخرية من خلال فرق محلية ودولية حتى أمكن إثبات ذلك بدراسات وكتب ومقالات، ودلت الفنون الصخرية التي وجدت على نشاط إنساني وتسجيل تفاصيل حياة إنسان ذلك العصر قبل أكثر من عشرة آلاف سنة في لوحات مصوّرة برموز بشرية وحيوانية بتصوير ونقش أقرب للأعمال التجريدية.
ولعل هذا الإنجاز يكون محفزاً لمواصلة العمل والتنقيب في تراثنا الإنساني بالجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وحفظه ودراسته من جميع جوانبه التاريخية والفنية وحتى التشكيلية، فتكامل الجوانب في البحث والعمل بين مؤسساتنا الحكومية والخاصة وحتى الوزارات أصبح مطلباً، وردم الهوة التي نعاني منها في مثل هذه الأعمال واجب وطني, فعبء التنقيب عن الآثار وتسجيلها ودراستها وحفظها والتوعية للمحافظة عليها لا يقع بكامله على هيئة السياحة والآثار، بل إنه واجب وطني يجب أن تشارك فيه جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، فالجامعات معنية بالأبحاث وتذليل الصعاب أمام الباحثين في شتى مجالات التاريخ والآثار الإنسانية والفنية، وليس كما هو حاصل الآن، فعلى سبيل المثال حرمان إحدى الجامعات لباحثة من التفرّغ في أطروحتها لنيل درجة الدكتورة في التربية الفنية لاختيارها موضوعاً يهتم بقراءة الفنون الصخرية من ناحية تشكيلية يعد عقبة وعائقاً أمام التكامل المنشود، وللأسف الجامعة علّلت هذا الحرمان للباحثة من حقها في التفرّغ بأن موضوع الأطروحة يخرج عن سياق التربية الفنية وكأن الجامعة الموقرة لم تسمع عن تاريخ الفنون.
وأيضاً برنامج خطى العرب الذي يُعنى بالتراث الإنساني والتاريخي والأدبي لبلادنا الغالية كان أجدر به أن يكون خلال القنوات التلفزيونية الرسمية السعودية ولكنه لم يجد البيئة الخصبة والتعاون المنشود فخرج من قناة أخرى أكثر تقديراً لتراثنا وآثارنا.
التكامل مطلب ملح بين الإعلام والتعليم وهيئة السياحة وبقية المؤسسات الحكومية وتشكيل فرق عمل منوّعة ومتكاملة يختصر الكثير من الجهود ويحقق المنجزات الحقيقية, فبلادنا غنية وأرضها عامرة بتراثها وآثارها فهي مهد حضارات وتستحق من أبنائها الكثير من الوفاء بالبحث والتنقيب والمحافظة على مقدراتها الطبيعية وآثارها الإنسانية، بل إن الدولة الوطنية والانتماء للوطن -كما ذكر الدكتور عيد اليحيى مؤخراً في محاضرة له- لا يقوم الا بانتقالنا من مجرد العلم للمعرفة التامة بثلاثة أركان وهي: (الأنثروبولوجيا علم الإنسان) و(الإيكولوجيا وهو علم البيئة والدراسة العلمية لتوزع وتلاؤم الكائنات الحيّة مع بيئاتها المحيطة) و(الجيولوجيا علم الأرض الذي يبحث في كل خصائص الأرض) فالمعرفة الشاملة لهذه الثلاثة الأركان تجعل الانتماء للمكان والتاريخ والإنسان والتراث أكبر والحفاظ عليه وعلى مقدراته أفضل مما هو حاصل الآن.