سعد بن عبدالقادر القويعي
اكتسب لقاء حملة «السكينة» التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية مع سماحة مفتي عام المملكة - الشيخ - عبدالعزيز آل الشيخ - قبل أيام -، جمالاً من ناحيتي - الشكل والمضمون -، كونه اتخذ موقعه الإيجابي نحو خارطة البناء الفكري للمجتمع، ومحاولة التغلب على البيئات المشحونة، والانطلاق إلى عوامل التصالح، والتقارب بالمنهج الحق، والتقيد بمشروعية واضحة في منهج الحوار، معتمدة على تأصيل شرعي، مرجعيته - الكتاب والسنة -.
إن التغيّرات، والتحولات في عالم اليوم، التي أشار إليها رئيس حملة « السكينة « - الشيخ « عبدالمنعم المشوح، في اللقاء بقوله: «مثلما أن المهددات ضخمة، ومتنوّعة، كذلك الفرص للتصحيح، والمعالجة، والمواجهة - الآن - أكبر، وأفضل، فالمرحلة مناسبة لإحداث تغيير إيجابي، وبشكل كبير في المجال الفكري، وإحداث نقلة نوعية في مواجهة التحديات، فالبرامج الفكرية، والإعلامية، والمجتمعية، والعلمية، وغيرها، الموجهة ضد الإرهاب، - من المفترض - أنها وصلت إلى حال نضج، يؤهلها للخروج بنتائج مؤثّرة»، انعكست - بلا شك - في إنتاج جملة من التعليقات المفيدة في بداية الحوار؛ لإطلاق أحكام مشبعة بالتفاؤل. - وفي تقديري - أن إنجازاً كهذا لو تحقق إلى ما بعد اللقاء، سيعمل على تحقيق التعاون بين رواد المجتمعات البشرية.
في اللحظات التي يكون منشؤها الحوار الشامل لكل المسائل، التي تحظى باهتمام التشكيلات الاجتماعية، والمدارس الفكرية، فإن هكذا طرحاً سيمثّل حجر الزاوية بالنسبة للاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والوئام الاجتماعي. وتلك المقاصد العظيمة أكَّد عليها أساتذة الجامعات الحاضرون في مجلس سماحة المفتي، - إضافة - إلى وجوب تأسيس قاعدة علمية، وتعليمية، وتربوية؛ من أجل بث رسالة الإسلام الصحيح، والقيم، والثوابت الوطنية في نفوس الشباب. وهذا سيجعلنا ننتقل من مرحلة الحوارات إلى مرحلة التعاون في تصور الأمور كما هي، - وبالتالي - سننتقل بالحوار إلى مرحلة متقدمة، أساسها التعاون في حل المشاكل المشتركة على الساحة - اليوم -.
في عالم اليوم، طرأت تحولات، وتغيّرات تجاوزت في تأثيرها حدود التقليدية، وذلك عندما استفاد الإرهاب من التطور التكنولوجي، والإعلامي؛ نظراً لما يتمتع به من قدرة عالية على التنسيق، والتواصل مع جماهير الناس، وفي المقابل توفر لتلك التنظيمات الإرهابية مبدأ للدعاية، والترويج لأفكارهم المنحرفة. وهذا المعنى شدد عليه سماحة المفتي، بضرورة: «محاربة المواقع الإلكترونية السيئة، والمد الممنهج الضال الذي يضخه الفكر المنحرف»، مؤكداً: «أن بعض شبكات التواصل الاجتماعي مليئة بالشر، والقذف، والافتراءات، والباطل، ولا بد من مواجهتها بالحق؛ لأن كل باطل - وإن علا - يزيله الحق».
جميل أن تمارس حملة «السكينة» حقها في الاعتزاز بالتصدر عن كبار علماء هذه البلاد، وهذا المنهج الرشيد أكسبها - بلا شك - تقديراً واسع النطاق؛ لتسجل الإنجاز تلو الإنجاز، والرضا بمدلولاته، والعمل على إتاحة البيئة اللازمة؛ لنمو التلاقح الفكري، وتعزيز فرص الالتقاء مع العلماء الراسخين في العلم، والمفكرين، والمهتمين بهذا الشأن، كونها تمتلك رصيداً كبيراً من العلاقات مع مراكز البحث العلمي، والجامعات، ومؤسسات الحوار، كل ذلك؛ من أجل بلورة مفاهيم الحوار، والتغلب على التحديات التي تواجهها في هذا المجال، وعلاج ما يعترضها من مشكلات منهجية.
إن المتأمل في إنجازات هذه الحملة المباركة، يدرك أهمية النتائج الإيجابية التي أنتجها الحوار على مدار عشر سنوات. - وبكل تأكيد - سيبقى التنسيق في أسلوب الحوار، هو الرهان الأكبر، والتحدي الأصعب أمام المسؤولين في الحملة، وهو ما عبّر عنه - الشيخ - عبدالمنعم المشوح، حين وصف اللقاء، بأنه: «الأول بهذا المستوى، والحضور، والمواضيع التي تمت مناقشتها، والتي مثلت في المشكلات العلمية، والفكرية التي واجهت المختصين، والباحثين في معالجة الإرهاب، وتقريب وجهات النظر في المواجهة، وترتيب أولويات المرحلة، والعمل على تحديد ملامح علمية، وفكرية عامة، واستعراض نقاط القوة، والضعف في المواجهة، والمعالجة، وعرض المبادرات، والبرامج المقترحة من قبل المختصين، والباحثين، ومناقشتها فيما يخص محاربة الفكر الإرهابي».
من جانب آخر، فلو راعينا المؤشرات الواقعية، والمعطيات العملية للسياسات الغربية، فإنني على يقين أن للغرب مصالحه المادية - السياسية والجيو سياسية -، في هدم البنى الأساسية للمجتمعات الإسلامية، وتفكيك نسيجها الاجتماعي، وخلق البلبلة الفكرية بعناصر، وشخصيات محسوبة على هذه الأمة - مع الأسف -؛ لكنها تنتمي إلى منظمات إرهابية؛ لتعيش، وتتحرك بمنأى عن التهديدات الغربية. ولا بأس - حينئذ - أن تمارس الإرهاب، الذي مادته العنف كثقافة؛ لأنه أساسها، ووسيلتها؛ وليصبح احتلال البلاد، وسلب الثروات، وانتهاك حقوق الإنسان؛ بحجة محاربة الإرهاب، ومصادره، ومنابعه. ولا حرج - أيضاً - أن تكون تلك الشعارات تحت مظلة القانون الدولي.
إن جاز لي أن أختم بشيء، فهي الإشارة إلى أن الاختلالات السياسية القائمة في العالم، والمنطلقة من زاوية مكافحة الإرهاب، ليست سوى مشاريع استعمارية جديدة، يندرج في ظل نظام دولي أحادي القطب، - وعليه - فإن المراهنة على خيار الإجماع الوطني، وتحصين الجبهة الداخلية، والعمل لمصلحة الأمة، وفق تحديات العصر، وضرورة استيعابنا لما يترتب على ضوء المتغيرات في منطقة تعج بالتطرف، والإرهاب، والذي يأتي في مقدمته عصابات تنظيم «داعش»، وغيره من قوى التكفير، والإرهاب الذي بات يهدّد منظومة الأمن الإقليمي.