د.فوزية أبو خالد
تدهشني وأشكر الله أنه لا يزال هناك ما يمكن أن يدهشني في حمى التحولات المتخبطة المريعة على امتداد الوطن العربي والعالم، تلك المبادرات الفردية أو الأهلية العفوية الصبورة التي تلوح في الحلكة كشمعة تتحدى الظلام بأساليب غاية في العذوبة والرومانسية بدل أن تغرق في وحشية ذلك الظلام أو تنهك قواها بالدعاء عليه أو لعنه.
وبما أنه قد تعددت أشكال وقوى تلك المبادرات على بساطتها، فقد رأيت أن أسجل بعضها كحافز لي شخصياً ولمن يريد من القراء وكنوع من العلاج بعدوى المقاومة بدل القبول بعدوى الاستسلام لحالة الاكتئاب وقلة الحيلة التي لا تفتأ تنفثها في أعصابنا حالة الاحتراب والتداعي المعنوي والعملي بالعالم العربي.. فتلك المبادرات تقول بلغة بعيدة عن الخطابة إن بإمكان كل منا أن يملك من الأمر شيئاً وإن صغر لمواجهة التحديات المحدقة سواء في النفس أو في الأوطان.
مبادرة لمقاومة الحرب بمدرسة للأطفال
ومن أمثلة ذلك تلك المبادرة التي تقدمت بها أصغر فائزة بجائزة نوبل وهي الشابة ملالا يوسف في عملها على إنشاء مدرسة للأطفال وللاجئات السوريات بالأردن ولبنان.. فمبادرة تلك البنت تُعبّر عن توق جبهة عريضة من أبناء وبنات الظل ممن يريدون التجرؤ على الحرب بالسلام أو بأمل السلام ويريدون مقاومة اعتداء الظلام على الضوء ومناصرة العلم على جبروت الجهل.. فلا يمكن الخروج على حاضر الحرب ونتائجها المرعبة دون التحالف مع قوى المستقبل.
مبادرات لمقاومة الفقر والإعاقة والصراعات برِجل صناعية
وقد وجدت ضمن هذا السياق في المبادرات الإنسانية التي قدمها برنامج خواطر لعدد من البؤر الملتهبة بالفقر أو المجرَّحة بالنتائج البشعة للحروب والصراعات من تشظٍّ وتشرُّد وإعاقات ما يعيد الاعتبار لحاسة البصر التي لا تتورع معظم برامج الفضائيات في رمضان وغير رمضان عن إهانتها بسيل التفاهات التي تعرض جهاراً نهاراً بجانب مشاهد أوطان تنهار.. كما وجدت في تلك المبادرات رد اعتبار لقدرة الإرادة الإنسانية على الاعتراض على الظلم وعلى مقاومته ولو برفع أصبع بوجه الظلام أو بكتابة كلمة لاااا على الهواء.. والجميل أن تلك المبادرة لم تبد متعالية وبعيدة المنال على الناس العاديين مثلي، فقد وظَّف الشقيري وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع دائرة العمل التطوعي مثل ما فعل عمرو خالد لتوسيع دائرة الحوار فقدم كل منهما شكلاً إبداعياً معاصراً للعمل الجمعي الإعلامي يختلف عن الدعوية الوعظية التقليدية الغارقة في الخطابات الإنشائية أو المضامين الأحادية المغلقة كما جرت عادة البرامج المشابهة.. ومن المثير للاهتمام أن أسمع من يقول بأن برنامج خواطر يُذكِّره ببرنامج نور وهداية للشيخ الجليل علي الطنطاوي ليس في التوقيت فقط، ولكن ربما في مسحة السماحة التي تجمع في ذاكرة جيل منا بين الشيخ والشاب.
مبادرة للمشاركة الوطنية بيد بلدي
ومن أمثلة تلك المبادرات العذبة (مبادرة بلدي) لدعم مشاركة النساء بالمجالس البلدية كناخبات ومرشحات.. ولمن لا يعرف تاريخ هذه المطالبة فإن ذلك العمل الدؤوب غير الصاخب الذي قامت به باقة من النساء على امتداد المملكة على مدى ما يزيد على نصف عقد من الزمن لتشكّل نقطة ضوء في بحر ظلمات المثبطات قبل أن يصدر الملك عبد الله - طيَّب الله ثراه - قرار دخول المرأة السعودية إلى المجالس البلدية كمرشحة وناخبة.. وما يُؤجج الدهشة أن الحملة تكاد تمد يدها إلى ثمرة الجهد من حلقات التوعية وورش العمل في الانتخابات البلدية لهذا العام. فرغم عوادم الصراعات السياسية والعسكرية التي تكاد تعمي البصيرة والأبصار من المحيط إلى الخليج، تندلع «حملة بلدي» بشراكات جديدة مع مؤسسات أهلية وحكومية عديدة وعتيدة مثل مؤسسة «المملكة القابضة» ومثل جمعية النهضة النسوية الخيرية ومنظمة المدن العربية ووزارة الشئون البلدية والقروية كأغصان أمل لأول حملة انتخابية وطنية مستقلة تقدم دعماً توعوياً ولوجستياً لأول مشاركة نسائية انتخابية على صعيد البلاد.. والحملة تفعل ذلك بإرادة لم تسمح بأن تلوي عودها اليافع العثرات اللائحية والاجتماعية ولا تأجيل دخول المرأة إلى المجالس البلدية لأكثر من دورة.. وعلى الرغم من محدودية مؤشر الانتخابات البلدية في الطموح الشعبي لمشاركة موسعة، فإن هذه المبادرة في تحولها إلى حملة تُعتبر خبرة هامة لا بد من اكتسابها لدى قوى المجتمع من النساء والشباب بمختلف الأطياف.
مبادرة للطفل يوسف السنان
وأخيراً، هناك مبادرة فردية على تويتر لفتت انتباهي وغيري بإصرارها الذي لا ينفد.. وهي مبادرة أبي الطفل يوسف السنان الذي يملك صبر أيوب في الدفاع عن حق ابنه للانعتاق من إعاقة الفشل الكلوي.. وقد نجح في حمل فلذة كبده على نياط قلبه من مستشفى مكان إقامته بنجران إلى مستشفى خميس مشيط لتوفر آلات غسيل الدم إليهم، ويبدو أن الرجل يملك الشجاعة لمزيد من الارتحال طلباً لشفاء صغيره، حيث كتب مؤخراً الطفل يوسف السنان يحتاج متبرع كلى.. من لديه الاستطاعة يتوجه إلى مستشفى الملك فهد بالدمام أو ساعد بالنشر، ويستشهد بالآية الكريمة.. وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا .