أ. د. فالح العجمي
من أكثر ما يطرح في هذه الأيام قضية الجهاديين الانتحاريين، الذين يفجّرون أنفسهم في جموع الناس من سياح في مناطق الجذب السياحي، أو مارة في الشوارع، أو مصلين في المساجد، أو رجال أمن وحراس، بل أطفال في مدارسهم، أو مرضى في المستشفيات. وقد اتسعت الرقعة الجغرافية لمناطق انتشار هؤلاء الانتحاريين، من اليمن إلى تونس ومصر، ومن العراق إلى السعودية والكويت، وتعدّدت الأهداف، ولكن الإجراءات واحدة؛ يركب سيارة مفخخة، أو يفجّرها عن بعد، ويحيط جسمه بمتفجرات، ليفجر نفسه مع الهدف الذي يريد الوصول إليه.
فما الذي يدعو هؤلاء الناس إلى تفجير أنفسهم بهذه الطريقة البشعة؟ بغض النظر عمَّا يقوله وعاظهم، أو الكلام المدون في أدبياتهم. هل فعلاً الجنس هو ما يحدو بهؤلاء الشباب صغار السن إلى تلك المجازفة، خاصة مع المبالغة في أوصاف الحوريات الموعودين بها، حال انتقالهم إلى الدار الأخرى مباشرة؟ أم أن شيئاً آخر يجعل منهم جبارين يتحدون الموت المرعب بهذه الطريقة؟ فمن توصل إلى صناعة هذه النماذج ليس هيناً، ويبدو أنه قد صرف كثيراً من الوقت، للاطلاع على ثقافة الشرق وأديانهم، وابتكار أفضل ما فيها من عوامل لخلق هذه الكائنات المرعبة. وأذكر منذ عقدين من الزمان، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حاييم رابين قد أعلن عجز إسرائيل عن مقاومة من يريد قتل نفسه؛ فهي - مثل كل قوى الدنيا - تستطيع استخدام القوة، والتخويف بالقتل، لكنها لا تستطيع أن توقف من يأتي ليموت، خاصة في جموع المدنيين، التي لا يمكن في أي بلد في الدنيا أن توفر حراسة لهم جميعاً.
أولاً هناك تقاليد دينية لمثل تلك الأعمال، حتى وإن كان القياس فيها غير متطابق مع التقاليد الأولى، التي كانت تعلي من شأن الموت في سبيل الله، والحض على بذل النفس من أجل خدمة الدين، ودحر أعدائه. فبعد أن كانت أمور الموت في المعركة التي يتقاتل فيها المسلمون مع غيرهم هي التي ينال فيها القتلى صفة الشهادة، أصبحت عمليات أخرى مشابهة يقوم بها بعض الأفراد في غير ميادين الحرب، مما يدخل في هذا الباب. وتوسع الفقهاء وبعض المحرضين، أو دعاة التوسع في بعض حقب الإسلام، في هذا المجال، ليحققوا للسياسي تلك الميزة، التي يتفوّق بها على أعدائه. وما أن بزغ نجم فرقة الحشاشين، التي أنشأها زعيمهم الشهير حسنِ صباح، حتى أصبحت ترعب كثيراً من الملوك والولاة في مختلف مناطق الشرق الإسلامي. وللمفارقة، كان موطن نشأة هذه الفرقة في أفغانستان، وفي قلعة «آلموت» على وجه التحديد، التي سيطر عليها الأمريكيون في حربهم مع طالبان في مطلع القرن الحالي. وقد نقلت بعض الأخبار التاريخية، التي كانت تتقصى طريقة حياة هذه الفرقة الانتحارية المرعبة، أن قادتهم كانوا يقدمون إليهم بعض النباتات المخدرة مما يزرع في تلك المناطق الأفغانية، وفي الليلة السابقة لتكليفهم بالمهمة الانتحارية يقيمون لهم حفلات رقص مع فتيات جميلات في تلك القلعة؛ ومع أثر المخدر يتوهمون أن تلك الفتيات هن اللائي سيقضون معهن أجمل أوقاتهم، حالما يقومون بمهمتهم الانتحارية.
وفي عملية التفجير الأخيرة في مسجد الصادق بالكويت، كانت السلطات قد وجدت آثار مخدر في جسم من قام بتلك العملية الانتحارية، حسب رواية التقارير الأمنية عن الحادثة. فهل أيضاً انتحاريو البغدادي، أو صنَّاع هذه القنابل البشرية، قد تمثّلوا طريقة الحشاشين تلك، في تحفيز الانتحاري الصغير السن والقليل التجربة من جهة، وفي جعله أيضاً لا يتراجع عندما يواجه الناس المراد تفجيرهم، ويتطلب الأمر منه التنفيذ بجرأة كبيرة؟