د.علي القرني
السؤال الإستراتيجي في هذه المرحلة هو: كيف يُمكن لنا أن نحصن المجتمع من التضليل المتعمَّد الذي تسعى داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية إلى بثه وزرعه داخل مجتمعنا المسلم المسالم؟.. وقبل داعش كانت القاعدة تحاول أن تعبث في أفكار وعقول شبابنا وتطويعهم، ليكونوا أدوات سهله تنقاد لهم
ولفكرهم، ويصبحوا هم حطباً يشعلون به نيرانهم في مجتمعنا وباقي مجتمعاتنا العربية. هذا هو تحدي المرحلة التي نواجهها، وهي مرحلة خطرة ويجب أن نعطيها اهتماماً أكبر مما نعطيها الآن.. فالحلول الأمنية ذات شأن كبير في دحض المخاطر التي باتت تحيط بنا في مساجدنا ومدننا وحتى على أفرادنا وأهالينا، ولكن الحلول الأمنية يجب أن يُوازيها حلول مجتمعية ذات شمولية وذات أبعاد أكبر وتصل إلى عمق المشاكل وتضع الحلول لها..
نحمد الله أن هيأ لبلادنا جنوداً مخلصين يسهرون على أمن واستقرار بلادنا، واستطاعوا أن يفسدوا الكثير من التهديدات التي كانت على وشك الانفجار، وعلى وشك حصد ضحايا أبرياء من أبناء وبنات بلادنا. نعم استطاعت القوة الأمنية السعودية أن تسجل نجاحات كبيرة ولله الحمد على صعيدين مهمين، أولهما: إفشال مخططات التفجير التي كانت تستقصدنا نحن السعوديين وتستهدف وطننا وأراضينا وممتلكاتنا وأمننا واستقرارنا، وثانيهما: القبض على الكثير من رؤوس الفتنة مخططي ومدبري العمليات الإرهابية وداعميها ومسهلي عملياتها اللوجستية، وهذا بفضل الله أولاً وقبل كل شيء ثم بفضل الرجال المخلصين في بلادنا في الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم سمو ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف الذي يرأس كافة الأجهزة الأمنية التي تمكنت إلى الآن من رصد تحركات الخلايا الإجرامية في بلادنا، وتمكنت من إفشال مخططاتها الدموية التي تستهدفنا نحن المواطنين السعوديين.. ومع الحلول الأمنية يجب أن تكون هناك حلول أخرى نساهم فيها نحن كمؤسسات مجتمعية للحد من انتشار هذه المخاطر التي تحيط بنا من الخارج والداخل.
وللأسف فنحن نقول إن المُغرر بهم من شباب بلادنا انطلت عليهم أفكار عراقيين وسوريين يقودون داعش وتسيدوا على فكر هؤلاء الشباب، واستطاع البغدادي ومعه زمرة من منحرفي الرشاد وقادة الفتنة أن يجدوا في شبابنا لقمة سائغة يقتاتون عليها لتحقيق أهدافهم في النيْل من هذه البلاد. بعض من شبابنا صدَّق كذبة داعش في الخلافة، وهي وهم تم زراعته في أذهان بعض الشباب، وتمكنوا من شبابنا في تصدير وبيع هذه الفكرة، رغم أن الأغلبية التي تقاتل مع داعش هم أشخاص مأجورون أتوا من أفغانستان وبعض دول جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً كالشيشان وغيرها وبعض دول أوروبا وتدفع لهم رواتب شهرية، ولم يأتوا لفكرة الخلافة التي أوهموا بها فقط بعض الشباب السعودي والخليجي. مقاتلو داعش في العراق وسوريا هم هناك لهدف مادي بحت وليس لأهداف دينية، أما بعض شبابنا فهم من الفئة المغرر بها فداعش تسوقهم كالخراف إلى مذابحهم في أي مكان وفي أي زمان وكيفما تشاء، بمجرد أن يأتي الأمر من أحد العراقيين أو السوريين في تنظيم داعش، لأن شبابنا أصبحوا مجرد خراف تسوقهم داعش لتضحي بهم كيفما أرادوا..
إن مؤسسات المجتمع لدينا يجب أن تعمل معاً يداً واحدة في دحض الفكر الداعشي وتعريته أمام الرأي العام والخاص، ويجب أن يلعب الإعلام بشكل خاص على مواجهة داعش وفق عمل مركزي يضم جهود كافة المؤسسات المجتمعية، ويكون مبنياً على قواعد من الفكر العلمي المتخصص الذي يستبق ردة الفعل ليبني أفعالاً ومبادرات وطنية كبرى.. وما نشاهده حالياً في وسائل الإعلام التقليدي والجديد ما هو سوى رسائل في أفضلها مباشر غير مؤثر وفي أدناها سلبي تساهم على بناء رموز مرئية لداعش ساهمت للأسف في تقويض بعض سياجات الأمان التي كنا نحتمي بها.. فداعش فيروس يُهاجم الفكر والعقول ويحتاج إلى سبل وقاية ومضادات نوعية تختلف عن تلك التي نُواجه بها عدواً خارجياً أو جماعة عسكرية لها كيانها السياسي والجغرافي.. وما نلاحظه أن إستراتيجيات إعلامنا الرسمي والخاص لم تتعدّل أو تتبدّل فهي مجرد هجوم معتاد وبرامج تقليدية مألوفة في خطاب إعلامي تعوَّد عليه المتلقي العربي ولم يصبح يُشكّل المناعة التي نحتاجها في هكذا مواقف.. إن أقل ما نحتاجه حالياً في إعلامنا - وهذا يُشكِّل أهمية بحد ذاته ضمن أولويات وأهميات أخرى - هو أن ندرس الخطاب الإعلامي الذي يهيمن على وسائل إعلامنا لنتعرف على أوجه القصور وملامح التناقض التي يحتويها.. ولا شك أن الخطاب له رسائله وله أدواته وله أشخاصه وله حججه وبراهينه، كما أن الخطاب يجب أن يكون مؤسسياً لا شخصياً، مجتمعياً لا فردياً. هذا ما نحتاجه الآن وفي هذه المرحلة ضمن إستراتيجية وطنية كبرى للدفاع عن الوطن ومؤسساته وقياداته.