علي الخزيم
مع فرحتنا بالعيد، والثوب الجديد، والعطر الفريد (كل منا يعتقد أن عطره متميز يخطف الأذواق)، وفي ساعات فرحة ذاك اليوم البهيج، لا بد من مُنغّصات، كما هي سُنّة الحياة بالعيد وغيره، لكننا من فرط مشاعرنا الاحتفالية باليوم السعيد نستكثر أن تحدث تلك المُكَدّرات، إذ إننا نُبَيّت آمالاً مسبقة بأن العيد هو أيام للحب والصفاء والهدوء والسكينة والود والتراحم، حتى إنك من حسن ظنك بالناس تعتقد أن لا جُرْم سيحدث، ولا حادثاً مأساوياً سيسفر عن فقْد عزيز أو إصابة آخر، الفرح ينسينا حتى التفكير بالمصائب والآلام، ويبعد عنا الشكوك بنوايا المجرمين، وتُعْشِب في نفوسنا آمالٌ عِراض بأن القوم من حولنا يتعاملون مع معطيات الحياة بتؤدة وعقلانية، ويتنقلون بين الطرقات بهدوء جذل وفيض من الأنس، وعيون تفتّحت حدقاتها مع الفطر فابتلال العروق من شأنه ترطيب الجوانح ورحابة القلوب وإزهار الحُبّ بين الناس، ليكون القِطاف التسامح والتلطف بما ينهي (ولو مؤقتاً) الشحناء المكتسبة من عوامل البيئة المحيطة بنا بكل أبعادها مما نصنعه بأنفسنا عبر تراكمات لم ننجح بجليها عن صدورنا بتسامح مُسبق مُطّرد سائر الأيام، يقول الشيخ صالح المغامسي:(لا تُضَيّقوا على الناس فرحتهم بالعيد، الفرح بالعيد فطرة، والإسلام دين الفطرة).
حدثت أيام العيد مواقف فيها الطريف ومنها المؤسف المحزن، وما يجدر الاحتذاء والفخر به، وغير ذلك مما يدعو للتأمل بأحوالنا فقد نستخلص العبر، ولعل من المناسب إيراد عدد من الأمثلة ففيها تسلية وعضة؛ فقد تسبب فأر في أحد المساجد بمدينة مغربية أواخر رمضان بإصابة حوالي ثمانين شخصاً نتيجة التدافع بعد أن سمعوا صراخ سيدة بين المُصلّيات مذعورة من الفأر، وحرموا لذة الفرح بالعيد، وفي محافظة الرس بالقصيم أثبتت هيئة الحسبة أن الورود الحمراء من عوامل الفرح وتصافي القلوب، فقد عمد رجال الحسبة إلى توزيعها على المواطنين صبيحة العيد، وبذلك يتأكد أن لا خلاف للهيئة مع الورد الأحمر إنما مع رمزيته بما يُسمى عيد الحب (فلانتاين)، ماكينة صراف آلي ببريدة كانت هي الأخرى كريمة بان شَرّعت أبوابها للمارة، إلا أن مواطناً صالحاً انتبه لهذا الكرم الخاطئ فأبلغ جهات الاختصاص، لكن بقرية باكستانية حدث ما يُؤلم إذ إن أباً يبدو أنه فقير استثاره إلحاح أطفاله الصغار بطلب ثياب جديدة للعيد، مما أفقده صوابه وتوازنه فقذف بهم تحت عجلات السيارات، تهور خارق للعادة، وعيد تعيس بلا شك، ومن المنغصات حوادث العيد الأليمة بسبب جمع العوائل داخل سيارات وقيادة خاطئة واستهتار بالأنظمة والنتيجة وفيات وإعاقات وخسائر للوطن بفقْد شبابه وعماد مستقبله.
وقد قيل: (من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيها السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذُروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء).