أ. د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذه السطور وأنا على يقين أن كثيراً من عوائل النخب الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية السعودية القادرة مالياً والمستطيعة جسدياً، هي الآن تتنقل بين عواصم الدول الأوروبية، وهناك من العوائل من استقر بها المقام في إسطنبول، وثالثة في الشرق، ورابعة تأخذ جولة طويلة بين ولايات أمريكا المتباعدة، والمتزوجون الجدد اختاروا ماليزيا أو النمسا أو فرنسا لقضاء أيامهم الأولى هناك، ومن لم يستطع لا هذا ولا ذاك من الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود سافر للقاهرة أو لإحدى دول الخليج القريبة، وقد تكون سياحته داخلية لمكة والمدينة، وهذا هو الخيار الأخير في مثل هذه الأيام على وجه الخصوص؛ فالناس كانوا هناك أيام رمضان المبارك القريب ولياليه، والقاعدون من القادرين على السفر قليل، ولأسباب خارجة عن الإرادة غالباً ولا يمكن أن ينفكوا منها، بل هناك من غير القادرين من يقترض من أجل قضاء إجازته السنوية خارج المملكة، وهذا يجعلني أجزم أن السياحة أصبحت لدى جيل اليوم جزءاً أساسياً ومهماً في برنامج العائلة السعودية السنوي، مما يدل على أن هناك تغيرًا وتبدلا في ترتيب الأولويات لدينا؛ فما كان قبل سنوات مجرد أمر تحسيني انتقل اليوم لسبب أو لآخر لأمر احتياجي وربما صار في مرتبة الضروري عند شريحة عريضة من أبناء المجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
* كيف انتقلت السياحة الخارجية من مجرد محاكاة للآخرين وتقليد للأقربين وترف عند البعض إلى أن تكون من أوائل ما يوضع في الروزنامة السنوية للعائلة السعودية؟
ويتفرع من هذا السؤال الرئيس أسئلة عدة تكوّن في مجملها تشخيصًا لوضع أسر الطبقات المقتدرة والمتنفذة في المملكة العربية السعودية ، ولعل من أبرز وأهم هذه الأسئلة:
* هل أصبحنا اليوم أكثر وعياً بمتطلبات حياتنا الدنيوية، وشعرنا بأهمية التغيير والانتقال والضرب في الأرض، وتغيرت نظرتنا للسياحة تبعاً لتغير نظرتنا للآخر شعباً ونظاماً وأرضاً؟.
* لماذا عجزت السياحة الداخلية عن أن تجتذب الأسرة السعودية القادرة على دفع تكاليف السفر للخارج؟.
* ما الأسباب النفسية التي تدفع العائلة السعودية النخبوية إلى البحث عن وجهات خارجية لقضاء إجازتها السنوية دون أن تفكر مجرد تفكير في أن تمضي جزءًا منها في مناطقنا السياحية؟
* أين التسويق السياحي الصحيح لمناطقنا التي تستحق أن تكون مناطق جذب فعلي لا افتعالي، وهل البرامج الترفيهية التي يعلن عنها عبر وسائل مختلفة، وتنشر الصحف والقنوات الإعلامية أخبارها مجدية وجاذبة للعائلة السعودية؟ أم أن هذه الأموال التي تصرف تعدّ في نظر المحللين الاقتصاديين هدرًا وعبئًا ماليا لا مبرر له؟.
* من يخطط لرحلة العائلة السعودية الخارجية، وكيف يتم اختيار البلد، ومتى يتم شراء التذاكر وحجز الفنادق والسائق؟.
في هذه النقطة بالذات - التي أتطلع إلى أن تدرس وتبحث من قبل الأكاديميين المختصين في كليات وأقسام السياحة والتراث في جامعاتنا السعودية، أو الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني - أقول في هذه النقطة بالذات أكاد أجزم أن من يختار ويخطط ويقارن ويرشح برنامج رحلاتنا السياحية الخارجية العائلية هن البنات غالباً، والمرشد والدليل لهن هي صفحات الإنترنت السياحية، ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي، والسماع من الصديقات، وتقييم السائح وحديثه وتعليقه على وضع الفنادق المنشور في الشبكة العنكبوتية ، بل حتى الخطوط تتم المقارنة والاختيار لها من قِبَل المرأة التي صارت أكثر وعياً بجغرافية العالم وتراثه ومنتجعاته وتاريخه وطبيعة شعوبه، بل حتى لغته وآلية التخاطب معه.
أسئلة كثيرة يفتحها ملف السياحة الخارجية للعائلة السعودية وليس العزاب، وفي رحم تلك الأسئلة الإجابة التي تبرهن على أننا بالفعل نعيش في بيئة ضاغطة سواء اجتماعياً أو إدارياً أو نفسياً أو ... والكل منا يبحث عن متنفس يتوافق ورغباته ومتطلباته الشخصية والأسرية دون أن يخدش ذلك في دينه والتزامه الخلقي واحترامه للآخرين، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء والسلام.