د.علي القرني
ألف مبروك.. وألف ألف مبروك.. لجامعاتنا السعودية.. لقد استطاعت تلك الجامعات التي كانت في قائمة أفضل خمسمائة جامعة حسب أفضل التصنيفات الأكاديمية في العالم أن تتخلص من هذا التصنيف وتخرج منه، وهذا بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الجامعات في سبيل هذا الخروج المشرف..
ومن الآن وصاعداً لن يسمع أحد باسم أي جامعة سعودية ضمن هذا التصنيف إلا في المراتب المتأخرة، كما أن علم المملكة لن يشاهد في هذه القائمة من أعلام الجامعات التي تدخل في هذا التصنيف.. ونكرر مرة أخرى ألف مبروك لهولاء الذين بذلوا قصارى جهودهم في سبيل إخراج جامعاتنا من هذا التصنيف.
وعندما كانت إيران وإسرائيل تتساءلان قبل سنوات لماذا دخلت الجامعات السعودية التصنيفات العالمية لأنه في ذهنيتهما أن الجامعات إذا ما تقدمت في البحث ستقود المجتمع، ولكن الآن حان لأبي حنيفة أن يمد رجليه وليس رجلاً واحدة، فقد اختارات جامعاتنا أن تعود إلى الراحة والسكينة والخمول كما كانت قبل سنوات. نعم أسعدت مثل هذه الأخبار المراكز الإستراتيجية العلمية في إيران وإسرائيل ودول أخرى. وتمكن الرجال المخلصون في بلادنا أن يجهزوا على وثبة علمية حقيقية كان يمكن أن تقود المجتمع إلى مرحلة تنموية جديدة في بلادنا.
ربما نحتاج أن نحتفل لخروج جامعاتنا من قائمة أفضل خمسمائة جامعة عالمية وننتشي بهذا النصر الذي حققه هؤلاء الرجال الأشاوس الذين تمكنوا من تحقيق هذا الانتصار العظيم. لقد تساقطت جامعاتنا واحدة بعد الأخرى إلى أن تناثرت في القوائم المتأخرة. خرجت جامعة الملك سعود وبات ترتيبها في تراجع إلى أن وصلت إلى 569 وبات ترتيب جامعة الملك عبدالله 704 وخرجت جامعة الملك فهد وأصبح ترتيبها 847 وكذلك خرجت جامعة الملك عبدالعزيز ووصلت إلى الترتيب 995، وباقي جامعاتنا تجاوزت الألف والبعض ربما بالآلاف. هذا هو الانتصار الذي كان يطمح له أشخاص سعوا منذ البداية في إسقاط هذه الجامعات وتأخرها إلى هذا الترتيب، ولاشك أن هذه الكوكبة من المحتفلين سينتظرون عام 2016 أو 2017 فلربما تخرج جميع الجامعات السعودية من قائمة الأف ثم من قائمة الألفين والثلاثة.
وإذا نظرنا إلى قائمة الخمسمائة جامعة سنجد تصدر الدول المتقدمة، فالولايات المتحدة لها 158 جامعة، ولألمانيا 39 جامعة، ولبريطانيا 37 جامعة، ولإيطاليا 25 جامعة، ولفرنسا 20 جامعة، ولإسبانيا 15 جامعة، ولأستراليا 11 جامعة. وإذا نظرنا إلى الدول الآسيوية سنجد أن للصين 27 جامعة في قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم، واليابان لها 24 جامعة، وكوريا الجنوبية لها 17 جامعة. ودول أخرى ممثلة في هذه القائمة كسنغافورة والهند وتركيا وماليزيا.
أما إسرائيل فلها خمس جامعات ومعاهد بحثية، حيث حصلت الجامعة العبرية على الترتيب 23 على مستوى العالم، وتلاها معهد وايزمان للبحوث في الترتيب 39، ثم جامعة تل أبيب في الترتيب 86، أي أن هذه الجامعات والمراكز البحثية تقع بين أفضل مائة جامعة في العالم.. وهناك معهد إسرائيل للتكتولوجيا في الترتيب 136 ومعهد بن جوريون في الترتيب 349 أي أنها تقع ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم.
في هذا الوقت يجب نبارك لهولاء الأشخاص الذين تمنوا أن تخرج جامعاتنا من التصنيفات العالمية وقد أوجدوا كل الحجج والبراهين من أجل ان يسقطوا سمعة الجامعات ويبعثروا خططها التطويرية حتي ينجح هؤلاء في مهامهم التي وفقوا إليها أخيراً. فلربما إنهم يعيشون الأن أفضل حالاتهم النفسية والجسدية بعد سقوط الجامعات وتردي مستوياتها وضعف أدائها. فاليوم هو يومكم بعد أن أجهزتم على بارقة الأمل ومصادر الطاقة البحثية في جامعاتنا. وشكراً كذلك لهؤلاء الذين داخل الجامعات وأتوا ليشاركوا في المهمة ويساهموا في حمل جنائز الجامعات. فموت جامعاتنا يبدو بطيئاً ولكنه حتمي إذا استمررنا نسمع لهؤلاء ونتغنى ببطولاتهم ونرفع لهم بيارق النصر الموهوم. إن سقوط الجامعات لم يأت من فراغ بل جاء عبر سلسلة من القرارات مبنية على أوهام الفشل التي حاول هؤلاء الكتاب والمغردون أن يصنعوها في وعي القرار الجامعي حتي أصبحت التصنيفات من «التابو» الجامعي الذين حاولت الجامعات أن تتخلص منه في السنوات الماضية.
إن الوصفة التي حاول أن يروج لها هؤلاء الأبطال هو قتل المريض بدل علاجه، فصحيح ربما كانت هناك إخفاقات بسيطة هنا وهناك ناتجة عن اجتهادات ولكنها لا تصل إلى درجة أن نطالب بذبح المريض والتخلص منه، رغم أن المرض هنا ليس الكلمة المناسبة التي ينبغي استخدامها ولكن استخدمتها للتدليل على الحالة التي كان يحاول بها هؤلاء الأشخاص أن يصفوا حالة الجامعات، ومع توصيفهم كان علاجهم هو التخلص من المريض، وهذا ما حدث فعلاً فقد نجحوا في التخلص من أمجاد الجامعات السعودية ونجاحاتها التي كانت موجودة ذات يوم. واليوم نعود إلى المربع الأول في تاريخ التعليم الجامعي.