أ. د.عثمان بن صالح العامر
قبل خمسة وعشرين عاماً ميلادياً، وعلى وجه التحديد في فجر الخميس 2 أغسطس 1990 م اجتاحت القوات العراقية الأراضي الكويتية، ولم يمض سبع ساعات فقط بعد عبور وحدات الحرس الجمهوري العراقي الحدود الشمالية لدولة الكويت إلا وقد استولت القوات العراقية - التي جاءت بثلاثمائة وخمسين دبابة عدا المفصحات والجنود المشاة - على قصر دسمان وجميع المباني الحكومية بما فيها مبنى وزارة الإعلام والدفاع والبنك المركزي والمطار وأقامت حواجز على التقاطعات في الطرق الهامة للتفتيش والسيطرة، الأمر الذي أدى إلى أن يلجأ أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح رحمهما الله إلى الهروب لبلاد الحرمين الشريفين أرض الأمن والأمان المملكة العربية السعودية خلسة وعلى حين غفلة من القوات الغازية متخفين خائفين ووجلين.
وفي منتصف النهار وبعد أن أصبحت مقاليد إدارة البلاد في يد العراقيين البعثيين صدر بيان من بغداد أعلن فيه الرئيس العراقي صدام حسين رحمه الله عن تشكيل ما سمي بـ»حكومة الكويت الحرة»، وعزل الأمير وولي العهد وحل البرلمان،.. المجلس الوطني... وفرض منع التجول لأجل غير مسمى، وجاء في هذا البيان أن هذه الحكومة ستتولى كل المسؤوليات والصلاحيات التشريعية والتنفيذية خلال فترة انتقالية.
أذكر أنني كنت يومها في الإسكندرية أسكن فندق ريجنسي الواقع على شارع الجيش والقريب من شيرتون المنتزه، ذهبت صبيحة ذلك اليوم «الخميس» - وأنا لا أعلم عمّا حدث شيئاً - لهذا الفندق المعروف من أجل أن أصرف عملة - إذ هو المكان الوحيد المرخص له بيع وشراء العملات آنذاك - وإذ بالوضع في البهو غير طبيعي، والناس في حالة من التضجر والصراخ ورفع الصوت والبكاء. ألقيت نظرة سريعة ولم أتوقف طويلاً عند هذا المشهد الاستثنائي غير المألوف في مثل هذا الوقت بالذات، واتجهت مباشرة إلى مكتب الصرافة الواقع في إحدى الزوايا البعيدة قليل عن مجمع الناس، ووقفت مقابل لوحة أسعار العملات وإذ بالأصفار وضعت أمام سعر صراف الدنيار الكويتي اليوم !!؟
سألت من بجواري عن الحكاية وما سر هذا الضجيج - وكان على ما أظن بحريني -، فتعجب من سؤالي وعدم درايتي بالغزو الذي نزل خبره علي كالصاعقة - كما هو حال الكثير من الخليجيين خاصة -. سمعت يومها - بعد أن عدتُ لأرى المشهد المحزن والمبكي بعين أخرى - كلاماً جارحاً، واتهاماً واضحاً جراء هول المصيبة وعظم المفاجأة وقوة الصدمة.
بقيت ثلاثة أيام أتردد على الشيرتون لأشاهد الحكايات وأسمع القصص وأقرأ الصحف المصرية التي كانت ترصد الحدث وتحاول التحليل والقراءة المستقبلية المتوقعة.
بعد هذه الأيام العصيبة أُعلن عن تجمع كويتي في القاهرة لمعالجة أحوال الأسر المتواجدة على أرض الكنانة، وفُتحت الفنادق - التي تملكها الحكومة الكويتية أو أن لها جزءاً من أسهمها - لجميع الكويتين المتواجدين في مصر سكناً وإعاشة، فتجمع الكل في فنادق محددة ومعروفة ومتميزة في خدماتها وأمنها، وفي كل يوم يزداد الكرب، وتشتد الأزمة، ويظهر التعب والإرهاق على الأجساد المكلومة والمصابة بهذا الحدث الجلل.
أعود إلى الصحافة المصرية التي جعلتني أتصور أن نزولي لأرض الرياض سيكون محفوفاً بالمخاطر محروساً بالجنود إلمّ يكن مستحيلاً، وما أن وصلت ورأيت ما ننعم به من أمن وأمان حمدت الله عز وجل وأيقنت أن الإعلام أياً كان توجهه ومقره وكُتابه قد يكون سبباً في الهزيمة النفسية التي تورث الخور والخوف والهوان لدى الإنسان مهما كان واعياً ومتزناً، فهو سلاح خطير لك أو عليك وربما أضر من حيث أراد النفع.
لقد كانت المملكة العربية السعودية الملاذ الآمن والبيت المفتوح للأشقاء الكويتيين حتى تحررت أرضهم الغالية، ولن ينسى التاريخ وعد وفعل وعزيمة وإرادة وحزم وجزم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله والشعب السعودي من بعده.
تذكرت هذا الحدث صبيحة اليوم الأحد 2-8-2015م وأنا جالس أفكر في اختيار موضوع أكتب عنه، وتوالى شريط الذكريات ليروي لي في لحظات سريعة مجريت الأحداث التي مرت وتمر بمنطقتنا الغالية «الخليج العربي» طوال ربع قرن، ومع أنني لست خبيراً في السياسة ولا متخصصاً في الإستراتيجيات إلا أنني أيقنت حين حاولت أن أربط وأحلل وأستنتج أن هناك خيط رفيع يربط بين كل ذلك، وأن المشاهد المأساوية التي نعيشها منذ ذلك اليوم وحتى تاريخه، والتي يراد منها في النهاية تحقق ميلاد شرق أوسط جديد، قد كُتبت فصولها في محاضر ودفاتر ستكشف أسرارها وتظهر خباياها الأيام والسنون، حفظ الله بلادنا ووقانا الشر والكيد والفتنة ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.