هاني سالم مسهور
لم تدون ذاكرتنا العربية أن قوات عربية عسكرية دخلت عاصمة من عواصم العرب محررة لها، لذا فإن العاصمة عدن في تاريخ 14 يوليو 2015م باتت الأولى التي حظيت بشرف هذا المشهد الذي شهد دخول القوات العسكرية للسعودية والإمارات في نطاق المرحلة الثالثة من عملية كبيرة بدأت في 26 مارس 2014م بإعلان «عاصفة الحزم» وتلتها عملية «إعادة الأمل» وبلغت درجتها الثالثة في عملية « السهم الذهبي « التي شهدت معركة تحرير عدن من قبضة الحوثيين وحليفهم المخلوع علي صالح.
جدير أن نتأمل فيما ذهب إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحضور ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن السعودية ومصر يشكلان معاً جناحي الأمن القومي العربي، وإن كان سياق حديث الرئيس السيسي جاء في سياق « إعلان القاهرة « الذي واصل تأكيد انتهاج السعودية ومصر على تشكيل القوة العربية المشتركة والتي تقرر إنشاؤها في القمة العربية الأخيرة بشرم الشيخ المصرية.
ذات المسار جاء من خلال تصريح الشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، الذي أكد لوزير الخارجية عادل الجبير أن السعودية تمثل حجر الزاوية في الدفاع عن القضايا القومية العربية، إذن نحن أمام توصيفات واضحة تتوافق مع ما يحدث على الأرض بداية من استجابة القيادة السعودية لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي التدخل ضد المتمردين الحوثيين الذين كانوا قد أسقطوا العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، ووضعوا الرئيس ونائبه وعدداً من الوزراء تحت الإقامة الجبرية قبل أن يحاولوا اقتحام العاصمة - البديلة - عدن لتنهي «عاصفة الحزم» جزءاً من تاريخ اليمن المفرط في العبث السياسي.
حديثنا عن عدن والتدخل السعودي ومعها التحالف العربي يأتي في نطاق الأمن القومي، فالتدخل العسكري جاء حماية لباب المندب وحفظاً لحقوق الأمة العربية في واحد من أهم المضائق الدولية، وردعاً للتغول الإيراني الخطير الذي بات يشكل تهديداً صريحاً لليمن بل إن العاصمة صنعاء اصبحت في مخيلة الإيرانيين عاصمة تابعة لهم تضاف إلى شقيقاتها بغداد ودمشق وبيروت، لذا فإن تدخل التحالف العربي في اليمن وضع عملياً حداً لمرحلة اهتز فيها الأمن القومي اهتزازات عنيفة ولم يعد ثمة خيارات سوى التقدم لحماية المصالح الوطنية السعودية والعربية عموماً.
الرياض هي حجر الزاوية الأهم فهي التي انحازت لخيارات الشعب المصري في ثورة 30 يونيو 2013م، واسهمت بشكل فاعل في تجنيب مصر أتون صراع سياسي يمكن أن يكون مستنسخاً عن تلك الصراعات الموازية في ليبيا أو سوريا مثلاً، ومع استعادة القاهرة لشيء من عافيتها ها هي تشكل مع الرياض جناحاً للوقوف الحازم تجاه الأمن الكامل للمنظومة العربية، وفقاً للمصلحة العربية التي تقتضي الدفاع عن مقدرات الأمة.
البحرين هي عنوان آخر يواجه الخطر الإيراني، ونتذكر أن ما قامت به المنظومة الخليجية أعاد إليها الكثير من الهدوء والسكينة وجعل المنامة تحت المظلة الخليجية تشعر بالانتماء الحقيقي للنظام العربي القادر على الإمساك بزمام المبادرة، وهي أنموذج آخر في الحرب الاستباقية التي استشرفت الخطر فقامت بواجب الحماية، وهذا ما يدفعنا للحرص على أن نكون أكثر تفاؤلاً ناحية مقدرة الرياض في قيادة شقيقاتها العربيات لتشكيل درع عربي يستطيع العرب من خلاله حماية مصالحهم وحماية شعوبهم وحفظ ثرواتهم.
إيران باتت في وضعية أكثر تحفزاً لتهديد العرب، ولا يعني أن الرياض قد نجحت في افتكاك باب المندب واستعادة العاصمة عدن أنها أنهت الخطر الإيراني كاملاً عن اليمن، فالواقعية السياسية تؤكد أن إيران بعد الاتفاق النووي ستكون أكثر حرصاً على توسيع نفوذها في المنطقة العربية، ولن تتخلى عن عدوانيتها تجاه جيرانها وستستمر من خلال وكلائها في الضغط على دول التأثير العربي وفي مقدمتها الرياض.
ما يبعث على القدرة العربية تبقى السعودية، هذا هو قدرها ومسؤوليتها المباشرة التي عليها أن تشكل الأطر المختلفة التي يمكن أن تكون عدن أنموذجاً جيداً يجب أن يتم تنميته والبناء على تجربة دول التحالف العربي التي نجحت في مسارات مختلفة منها وضع الأمم المتحدة من خلال قرار مجلس الأمن الدولي 2216 في الموضع الصعب من خلال إلزام الأمم المتحدة بقرارها وإلزامها بتنفيذه وإلا فإن التحالف العربي قادر على فرض الحل السياسي الذي يعبر عن إرادة الشعب اليمني أولاً وأخيراً واحتواء اليمن على اعتباره جزءاً لا يتجزأ من أمن واستقرار دول شبه الجزيرة العربية، هذا الأنموذج يجعل من الشعوب العربية تتطلع باستشراف مهم نحو علاقة أكثر ارتباطاً تجاه الأمن القومي بين الرياض والقاهرة.