علي الصراف
لم يترك المسؤولون الإيرانيون فرصة، منذ توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1)، إلا وانتهزوها للتحدث بلغة تصالحية حيال دول المنطقة، بل إنهم ظلوا يعربون عن استعدادهم للحوار والتفاهم على حل أزمات مثل سوريا واليمن وغيرها..
وجال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في عدد من دول المنطقة، من أجل أن يبيع هذا الكلام.. لهذا التوجه معناه.
أولاً: إنه «تقيّة».. بمعنى أنه لا أكثر من دجل ونفاق.
ثانياً: إنه دليل ساطع على أن مشاعر الهزيمة بلغت حداً يُجبر المسؤولين الإيرانيين على اتباع مسالك الحيلة، بعد أن فشلت مسالك التطرف، في بلوغ الأهداف.
ثالثاً: إنه يَفترض، مع ذلك، أن لإيران الحق في أن تكون محاوراً في قضايا تخص البيت العربي.
خير للمنطقة أن تتحدث إيران بلغة التطرف.. أولاً، لأن التطرف يجسد طبيعتها الحقيقية كـ»دولة مشروع» ذي طبيعة متوترة. وثانياً، لأنه يكشف عن نواياها المضمرة حيال كل دول المنطقة. وثالثاً، لأنه إذ يقدمها كتهديد، فإنه يحفز عوامل اليقظة والإستعداد في الجوار.
أما بالنسبة للتقيّة، فقد باتت وسيلة رثة للغاية، واستخدامها ينطوي على نوع رخيص من التحايل لم يعد ملائماً في إدارة العلاقات بين الدول. ولكن إيران ما تزال تمارسه، لأنها ما تزال تتصرف كمشروع طائفي، لا كدولة. الدولة في إيران لا وجود لها أصلاً. إنظر إلى سطوة ونفوذ «آيات الله»، وسترى ذلك بوضوح شديد.
وأما بالنسبة لمشاعر الهزيمة، فكل الحقائق المادية تشير إلى أن إيران تقف على حافة الانهيار. أولاً، تركت حلفاءها يعانون مرارة الهزائم من دون أن تكون قادرة على نجدتهم. ثانياً، اقتصادها يعاني الويلات.. فالبنية التحتية متهالكة. والإمكانيات الاستثمارية شحيحة. ومستويات التضخم مرتفعة. وما من شيء إلا ويحتاج عشرات المليارات من أجل أن يعود ليكون بالمستوى الذي كان عليه قبل فرض العقوبات. وحتى ولو حصلت إيران على 100 مليار دولار غداً من أموالها المحتجزة، فإن كلفة تحديث المنشآت النفطية وحدها سوف تحتاج ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وفوق كل هذا وذاك، فإن الشركات الغربية الكبرى لن تسلم إيران قرشاً قبل أن تتسلم منها ضعفه. وثالثاً، فقد ثبت أن إيران ورطت نفسها في حرب استنزاف داخل سوريا والعراق، ولم تجن منها إلا الخسارة والخذلان، حتى لم تعد قادرة على فعل المزيد.
وأما بالنسبة لعروض «الحوار» لتسوية أزمات المنطقة، فثمة كلمة واحدة تقولها المنطقة برمتها لطهران: «هذا بيتنا، و.. مَنْ تدخل في ما لا يعنيه، لقي ما لا يُرضيه».
يحسن أيضاً الأخذ بعين الاعتبار أن إيران المشروع تتدخل لكي تقول إن مشروعها الطائفي لم يُهزم بعد، وإنها ما تزال تمثل رأس حربة له، وإنها ممثله ومحاوره الأهم!.
لو كان ذلك كذلك، فلن يطول الوقت قبل أن تعطي إيران لنفسها الحق في أن تتحاور مع كل دولة أمكن للمشروع الصفوي أن يتمدد إلى نفر مأجور من مواطنيها.
وثمة أشياء بسيطة ما تزال إيران بحاجة إلى أن تفهمها:
أولاً: المهزوم يجب أن يقر بالهزيمة.
ثانياً: المهزوم لا يفرض شروطاً.
وثالثاً: المهزوم يحتاج إلى أن ينظر في أسباب فشله أولاً، قبل أن يعرض نفسه محاوراً في شئون الآخرين.
والحال، فقد هزمت إيران نفسها، قبل أن تُهزم في اليمن أو سوريا أو العراق. وعندما تجرؤ إيران على أن تتخلى عن مشروعها الطائفي، وأن تنظر باحترام إلى حدودها فلا تتخطاها، ساعتها سيكون للحوار معنى، وساعتها سيكون أصيلاً بما يكفي، ليس لخدمة العلاقات مع الجوار، بل قبل ذلك، لخدمة شعوب إيران نفسها.
قبل أن تظلم سلطةُ «آيات الله» شعوب العراق وسوريا واليمن ولبنان، فالحقيقة هي أنها ظلمت شعوب إيران أولاً. فهذه شعوب لا تملك شيئاً الآن إلا وكان بحاجة إلى إعادة بناء!.. الهزيمة، إذا أُدركت أسبابُها الداخلية، هي في الواقع أول الطريق لإعادة البناء.