جاسر عبدالعزيز الجاسر
أطلق السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الكثير من الوعود منذ تسلّم منصبه، إلا أن تلك الوعود لم تجد التطبيق لعرقلتها من أقرب حلفائه، فيما يُسمى بالبيت الشيعي، ونقصد بأقرب حلفائه، هم زملاؤه في حزب الدعوة الذين ما زالوا يُنفذون تعليمات نوري المالكي الذي يعمل كل شيء لإفشال جهود حيدر العبادي الذي خلفه في المنصب.
الآن، وفي محاولة لاسترضاء الجماهير العراقية التي خرجت بمئات الآلاف في مظاهرات احتجاجية على الحكومات المحلية والمركزية التي يُشكِّل حزب الدعوة النصيب الأكبر من وزرائها، وقد ملَّ العراقيون وتذمّروا من تدني الخدمات وتفشي الفساد والرشوة في الأوساط الحكومية، وقد عمَّت المظاهرات المدن العراقية وبالذات بغداد والبصرة، وفي محاولة منه لامتصاص الغضب الجماهيري أطلق رئيس الوزراء حيدر العبادي حملة حكومية عنوانها: (من أين لك هذا؟).
الحملة حتى الآن قُوبلت بترحيب جماهيري وسياسي وقانوني، ووجدت دعماً من كل ما سبق، أولاً، لأنهم ما زالوا يثقون بالعبادي، وثانياً لأن المبادرة يحتاجها العراق بشدة في هذه الأيام، ولكن تتساءل الأوساط العراقية، وبالذات السياسية والقانونية على قدرة العبادي في تنفيذ مبادرته، خصوصاً أنها ستُحاصر كثيراً من الرؤوس الفاسدة، بعضها من أركان حزبه، والبعض الآخر من كبار المسؤولين، يتقدمهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي تضخمت ثروته وثروة عائلته إلى أرقام فلكية.
روح مبادرة حيدر العبادي موجودة في الدستور العراقي، إذ يقول الخبير القانوني العراقي طارق حرب، إن مبادرة العبادي أساسها ومصدرها المادة 19 من قانون النزاهة رقم 30 لسنة 2011م، حيث قررت هذه المادة اعتبار أي زيادة في أموال الموظف أو أموال زوجته أو أولاده التابعين له بمثابة كسب غير مشروع، ويخضع هذا الكسب لنص المادة المذكور:
إن (على هيئة النزاهة طبقاً لهذا الحكم الوارد في القانون أن ترفع أمر الموظف الذي ظهرت زيادة في أمواله أو أموال أقاربه المذكورين إلى قاضي محكمة تحقيق النزاهة الذي يتولى تكليف هذا الموظف بإثبات المصادر المشروعة للزيادة التي ظهرت في هذه الأموال، وإذا عجز الموظف عن إثبات المصادر المشروعة للزيادة في هذه الأموال بما لا يتناسب مع الموارد المالية، فإنه يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مساوية لقيمة الكسب غير المشروع، أو بإحدى هاتين العقوبتين مع مصادرة الأموال التي اعتبرت كسباً غير مشروع).
وتابع حرب: (لو فرضنا أن أحد الموظفين كانت أمواله في السنة الماضية مليار دينار، وأصبحت في هذه السنة خمسة مليارات من الدنانير، فإنه يُحال إلى محكمة تحقيق النزاهة من قِبل هيئة النزاهة لإثبات الأسباب الشرعية للزيادة والمصادر المشروعة للأربعة مليارات من الزيادة، وإذا عجز هذا الموظف عن إثبات المصدر المشروع للزيادة، فإنه يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة قدرها أربعة مليارات، وهي مبلغ الزيادة ومصادرة الزيادة).
وأشار إلى أن (هذا الحكم يجب أن يتضمن المال غير المشروع، وبذلك فإن هذا الموظف سيُعاقب بالحبس ويتولى دفع ثمانية مليارات من الدنانير إلى خزينة الدولة، وهذه العقوبة يتم فرضها أيضاً على الموظف الذي تخلف عن الحضور أمام المحكمة للإجابة عن أسباب زيادة الأموال، إذ يُعتبر تخلُّفه بمثابة اعتراف بالتهمة، وكذلك لا بد أن نلاحظ أنه إذا كانت القاعدة العامة هي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته).
ولفت الخبير القانوني إلى أن (هذه القاعدة تُطبق على الموظفين في الكسب غير المشروع، حيث يُعتبر الموظف متهماً حتى تثبت براءته طالما كانت هنالك زيادة في الأموال، ويبقى بهذه الصفة حتى انتهاء الدعوى لصالحه).
وأوضح حرب أن (الموظفين المشمولين بهذا الحكم القانوني هم: العسكريون الضباط من رتبة مقدم فأعلى، وأعضاء السلطات التشريعية في الحكومة الاتحادية والمحافظات، والموظفون من الدرجات الخاصة فأعلى، ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء، ورئيس الجمهورية ونوابه، وختاماً فإن تطبيق هذا الحكم يمكن أن يكون إحدى الوسائل التي تقف أمام الفساد المالي والإداري».. انتهى.
إذن، أدوات المحاسبة وتفعيل مبادرة العبادي موجودة، وقانون النزاهة يتيح محاسبة كل الفاسدين، وما أكثرهم في العراق، وأولهم رئيس الوزراء السابق الذي تضخمت ممتلكاته وأصوله المالية هو وأفراد عائلته، فهل يجرؤ حيدر العبادي على تقديمه إلى قاضي التحقيق، أما ستُصدم مبادرة العبادي بالرفض والفشل، مثلما أُفشلت مبادرة تخفيض رواتب الرؤساء الثلاثة والوزراء وكبار المسؤولين.