موضي الزهراني
خلال السنوات الماضية تابعت أكثر من قضية عنف أسري من الآباء، تطورت إلى جريمة قتل للأبناء، وكانت من القضايا المؤلمة على قلوبنا جميعاً لعدم التقبُّل الجماعي أن يكون الأب قاتلاً لفلذة كبده، وأن يكون المصدر المتوقع منه الحنان والأمان مُزهقاً للروح ببساطة بسبب مشاكل أسرية، أو ضغوط نفسية طارئة، أو بسبب تعاطي المخدرات!.
وقد تعرضت مثل هذه القضايا لكثير من الانتقادات بسبب ضعف الأحكام الشرعية تجاه قاتل ابنه بسبب التفسير الخاطئ للحديث الشريف (أنت ومالك لأبيك)! وما زال الأمل كبيراً أن تجد تلك الانتقادات اهتماماً عالي المستوى للحد من استمرارية قتل الأبناء الأبرياء لأسباب بالإمكان معالجتها، خاصة أن هذه القضايا تساهم في تنشئة جيل مضطرب نفسياً، ومنحرف أخلاقياً بسبب العنف والتفكك الأسري الذي عانى منه في طفولته. فالحرمان من الأمان العاطفي في المحيط الأسري، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، يتسبب في علل وأوجاع لا حصر لها في مرحلتَيْ المراهقة والشباب، ويكون سبباً قوياً في ضعف الارتباط الأسري على مدى السنوات اللاحقة في حياتهم؛ ما يتسبب - بلا شك - في ضعف الانتماء الاجتماعي على المستوى الوطني بشكل قوي!.
وقد تناولت سابقاً في هذه الزاوية أن الإرهاب الأسري باختلاف أنواعه، الذي تعاني منه الكثير من الأسر لدينا، من الأسباب القوية للإرهاب الفكري الذي يعتبر الأخطر على المستوى الوطني، والذي يسيء لجميع الجهود الأمنية من أجل تحقيق الأمن والأمان في بلادنا! فالإرهاب الأسري لن ينتج منه إلا شخصيات عدوانية وانتقامية كارهة لنفسها ولأهلها ولوطنها، وتكون على شفا حفرة من الوقوع في الرذيلة والبحث عن داعم ومساند للتنفيس عن الأحقاد المدفونة بداخلها، والمتراكمة منذ طفولتها، وبمجرد ما تحين لها الفرصة للانتقام بأي وسيلة فإنها تستجيب عاجلاً بدون اعتبار للنتائج أو للضحايا من تكون! فهناك الكثير ممن تعرض لعنف أسري يرى أن انضمامه للمنظمات الإرهابية وتبني أفكارها الانتحارية والموت في سبيل الله شهيداً والدخول للجنة كما آمن بذلك أفضل من الاستسلام لحياة البؤس في أسرته والموت قهراً، أو الموت بسبب ضربة من يد أحد والديه! وغيرها من النماذج الأخرى الانتحارية التي بدأت تظهر لنا على الساحة بكل ألم، وأصبحت تقتل أقرب الناس لها لتحقيق ما آمنت به من أفكار متشددة ولكنها انتحارية، ولا تتوانى أن تتخلص من أي عائق أمام تحقيقها حتى لو كان أقرب الناس لها! .
فهذا من قتل والده في خميس مشيط، ومن قتل خاله في الرياض، ومن قتل والدته بسبب المخدرات، وغيرها من النماذج المفككة أسرياً، والمضطربة نفسياً، التي ستزيد إذا لم يتم علاج الإرهاب الأسري واقتلاعه من جذوره، ليس بتطبيق نظام الحماية من الإيذاء فقط، بل بتطبيق العقوبات الرادعة والمناسبة لحجم كل قضية واختلافها عن الأخرى، والحد من التلاعب بمصير الأطفال المتنازع عليهم؛ حتى لا يتم تنشئتهم على النزاع والكراهية، وتغذيتهم بالانتقام منذ صغرهم؛ فيصبحون بذلك مستعدين لأي موقف انتقامي في شبابهم حتى لو كان الضحية أقرب الناس لهم، لكن بالاسم فقط، وليس بالانتماء والارتباط العاطفي؛ لأنه تم اقتطاعه منذ الصغر بسبب المعاملة السيئة!