د. عبدالرحمن الشلاش
لا تستغرب حاليا ظهور وجوه إعلامية واجتماعية فجأة ودون مقدمات، فالجو العام يشجع على ذلك، وإذا كنت من هواة الشهرة وحب الظهور والسيطرة على المشهد فما عليك إلا أن تفتح لك حسابا في أحد مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة والشائعة مثل التويتر والانستقرام والسناب شات والكيك ثم تملؤه بصور ومقاطع الاستهبال واستخفاف الدم كالقفز والرقص والضحك الهستيري والاستهزاء بالآخرين، وإطلاق الأصوات الغريبة والكلام الذي لا معنى له، والخروج عن الذوق العام.
بغمضة عين ستجد آلاف بل وربما ملايين المتابعين وقد تواجدوا في حسابك الغالبية العظمى منهم من الأطفال والشباب الصغار إضافة لضعاف العقول من الكبار ومن ترضي أذواقهم هذه التفاهات المطروحة من قبل مشاهير ونجوم الغفلة.
ما يحدث حاليا تعدى الحدود الطبيعية إلى أن تحول لعملية سريعة جدا لصناعة التفاهة والتافهين والدفع بهم للساحة كنجوم سوبر ستار بدلا من العلماء والأدباء والشعراء والمثقفين الذين كانوا يوما ما قدوات الأجيال في حياتهم. في أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا انتشرت قبل فترة لوحات تحذيرية مكتوب فيها «stop making stupid people famous» ومعناها توقفوا عن جعل الناس الأغبياء مشهورين، موجهين هذا التحذير للناس كافة ولمؤسسات المجتمع الإعلامية والاجتماعية، فإذا كانت المؤسسات الإعلامية لا تستطيع إيقاف تلك الحسابات فعلى الأقل توجه بعدم استقطابهم للفعاليات والمهرجانات والمناسبات العامة، وعدم القبول باستقطابهم لتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية، أو إشراكهم في مسلسلات وأفلام كرتونية موجهة للناشئة، كما حدث لدينا على سبيل المثال لا الحصر وقبل سنتين عندما أسند لأحد الأشخاص الذي حظي بمتابعة في غرف البالتوك أدوارا في مسلسلات وأفلام كرتونية رغم ما كان يطلقه من بذاءات وسب وشتم وتحقير لشرائح المجتمع أثناء مداخلاته التافهة في تلك الغرف.
يمكن أيضا للمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية إعداد وتنفيذ برامج ترتقي بالذائقة العامة وتثقف الناشئة فمع ارتفاع المستوى الثقافي سيكون هناك رفض لهذه التفاهات بدلا من قبول ما تطرحه هذه النوعيات شديدة الخطورة على صغار السن!
سيسأل سائل وما المشكلة أن يستعان به في تلك الأفلام والمسلسلات أو يستعان بغيره من الفقاعات؟ وردي على هذا السؤال واضح وصريح فاستعانة الجهات المحترمة والرسمية بهم ودعوتها لهم تعني مصادقتها الرسمية ورضاها عن تصرفاتهم وهو ما يسرب لمحدودي الفهم والإدراك أحساسا بأن ما يفعله هؤلاء هو الصحيح وأن طريق النجومية يبدأ من حيث بدأ هؤلاء وهو ما يشجع مستقبلا على «صناعة التفاهة» ومتابعة التافهين وتحويلهم لقدوات وانتظار مقاطعهم بشغف والجري وراء إنتاجهم الرديء ونشره في المواقع و القروبات!
في مقاطع الكيك يظهر شاب ربما في طفولته المتأخرة سمين ومتورم الخدود فوجئت في هذا الصيف بدعوته من قبل منظمي أحد المهرجانات السياحية، ومعه في نفس الموقع شخص مسن يبدو أن لديه لوثة في عقله يقوم بحركات صبيانية توجه له الدعوة في مناسبات كثيرة للأسف!
غير هؤلاء كثيرون امتد خطرهم وأصبح الناس يتناقلون مقاطعهم بكل سذاجة لتنحدر أخلاقيات الأبناء وتتشوه الذائقة وتتلاشى القيم الجميلة دون أن يقوم المجتمع بمؤسساته وأفراده في تحجيم هذه الظاهرة، وإيقاف هذا المد التافه!