د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
يا أنتِ.. انفضي يديكِ من هواي.. من عمري الشريد.. من أيامي العجاف.. من دموعي الساذجة.. من لوعتي التي احتضنها دمي.. من أشواقٍ أحرقتني واحترقت معي..
لا تخجلي.. بُوحي بسرِّك.. أعلنيها: حبُّنا قد انتهى.. حبُّنا قد انتهى.. ذكرياتنا انطوت.. وكلُّ ما مرَّ لم يكن سوى مجرَّد سراب.. لقد ضيَّعتِ أمسي.. فلماذا تُبقِين الغد؟! بدَّدتِ أحلام الشباب.. فلماذا تُبقِين أشلاء حُلْم؟! أعلنيها أنشودةً تموت في شفاه المنشد..
تعلَّمتُ منكِ أنَّ الحبَّ وهمٌ كبير.. كِذبةٌ كبرى.. نُوجِدُهُ من العَدَم.. فيُعدِمُنا من الوجود.. فلا تعجبي من سيادة الوجوم.. وفرار النجوم.. فالحبُّ لا يدوم.. لا يدوم!
* * *
حدِّثيني عمَّا يعتلجُ في صدرك.. وعمَّا يثور من رغباتك.. حدِّثيني عن لياليكِ.. عن شجونكِ.. عن ابتسامات الألم.. ودموع الفرح.. حدِّثيني عن الليل المثخن بالرغبات.. عن سنا الفجر الطاهر.. عن أمانينا العذاب التي زاحمت الأفق.. عن أحلامنا اللذيذة التي غزت النجوم.. فأنتِ أنا وأنا أنتِ.. عندما أقبِّلُكِ يرتمي طيفُكِ بين شفتينا..
* * *
رأيتُها.. رمقتْ العينُ أختها.. ونادى فمٌ فما.. أريد أن أقول فأتوقَّف مرغما.. ويروم ثغرها الحلو بوحاً فيتلعثم..
يا أنتِ.. عندما أتذكركِ يجتاحني شوقٌ غريب.. يُلهِب أغواري.. وأحِسُّ بأضلعي في صدري المهجور تصطفق.. وبدمي وقد ملَّ عروقي.. أريد النوم لكنه عليَّ يستعصي.. فانعمي يا منى عمري بالليل.. ودعيني أكابد السهر وحدي..
* * *
في ذلك المساء رأيتُكِ موكباً من جَمَال.. أبصرتُ في زرقة مقلتيك نجوماً تُغنِّي.. رأيتُ الخيالَ يغفو بين شفتيكِ.. يتعرَّى الربيعُ على وجنيتكِ.. رأيتُكِ وهممتُ أنْ أمدَّ إليكِ يدي.. لكني سُرعان ما تراجعتُ.. لأنكِ أجملُ من أن أفعلَ ذلك.
* * *
أفديكِ.. هل أنتِ من نسْجِ خيالي؟! أم صورةٌ رسمتْهَا يدُ جنوني؟! أحمل إليكِ شوق القِفار إلى المطر.. حُلم ليلةٍ شاتيةٍ بالنار..
أتذكرين! حين أمسكتِ بيدي باسمة.. ومِلتِ إليَّ في صمتٍ صاخب.. وطوَّقتِني وجُنون الفتنة يستعر من عيني.. وملءُ عينيكِ رؤى خافية.. حينها قُلتِ لي هامسة: سنقطع الدربَ مع الشذا والندى.. مع البلبلِ العاشق على الأيكة.. والنرجس الحاني على الساقية.. سوف نقطع الدربَ بنشوة العُشَّاق.. وجنون الحب..
* * *
تجفُّ الأحرف.. وتجدب المشاعر.. ويتراقص النسيان بنشوة الانتصار.. غير أنَّ القلب لا يزال يخفق بذكرياتكِ التي كانت.. فالذكريات لا تموت..