أ. د.عثمان بن صالح العامر
الفكر التكفيري الإرهابي المتطرف وإن تلوّن وتشكّل هو في النهاية ينطلق من منطلقات واحدة، ويريد أن ينتهي إلى ذات النهايات ويحقق نفس الأهداف، وقد تتباين الأولويات وتختلف الوسائل والتكتيكات المرحلية التي يسيرون عليها وصولاً إلى الغاية الواحدة التي ينشدونها، ويعلنون عنها جهاراً نهاراً عبر وسائل إعلامهم المختلفة، وهم في موقفهم من المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومعقل الإسلام وموطن السلفية الصحيحة والوسطية الحقة، لا يختلفون كثيراً حين التدقيق في أدبياتهم وعند التمعن بتوجهاتهم وتحركاتهم على الأرض، عملوا عبر تاريخهم الحديث في حربهم ضد بلادنا الغالية من خلال مخطط مدروس مر بمراحل خمس، هي بإيجاز:
* إعلان البراءة المطلقة من النظام السعودي، وتصوير مشاهد مؤذية بحق لشباب سعوديي الميلاد والمنشأ حديثي الأسنان سفهاء الأحلام، يمزقون جوازات سفرهم ويعلنون بلسان عربي مبين الانفصال التام عن المملكة العربية السعودية!!.
* التهجم الصريح على المملكة العربية السعودية بألفاظ مؤذية وعبارات نابية عبر وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.
* مطالبة حاملي الفكر التكفيري بالبقاء في الداخل، وبعث رسائل توجيه لهم وتحفيز وإرشاد من خلال العالم الافتراضي الذي أصبح هو البيئة الخصبة لهذا الفكر الخارجي التكفيري الخطير.
* رسم خارطة دقيقة لتوظيف هؤلاء المتواجدين في الداخل الذين لا يعدون أن يكونوا بمثابة الأدوات التنفيذية، تُحرك كرقعة الشطرنج من قِبل القوى التنظيمية الداعيشة، التي تسعى في هذا الوقت بالذات، لهدم البنى الأساسية وزعزعة الثقة المجتمعية وتحطيم الرموز في النفوس.
* البدء بالتنفيذ الفعلي على الأرض بعد توزيع المهم وإتمام التدريب اللازم لمن يسمون بالذئاب المنفردة للقيام بعملية انتحارية من خلال تفجير الواحد منهم نفسه بحزام ناسف، مع التركيز على فئات ثلاث:
* الأجانب «الذميين والمعاهدين المستأمنين» من أجل بذر روح الفرقة بين القيادة السعودية ورعايا الدول الأجنبية، ومن ثم ضرب العلاقات السياسية الخارجية للمملكة العربية السعودية، وعندما لم تجد هذه الأفعال انتقلوا إلى مسار بديل .
* أبناء الطوائف داخل المساجد وفي أماكن التجمع، ظناً منهم أن هذا سيفت في عضد القيادة ويكسب تعاطف المجتمع السني، ومن ثم سيحظى بالتأييد والمباركة من قِبل العامة على الأقل، ولكن كان العكس تماماً من قِبل جميع الشرائح، لذا كان الانتقال لما نعايشه اليوم وللأسف الشديد.
* جاء التوجيه وبكل بجاحة وصراحة أن يستهدف رجال الأمن، وأن يبدأ الداعشي الذي يريد الجنة - وللأسف الشديد والحزن العميق على هذا المستوى من التفكير العقيم - أقول إن هو أراد ذلك أن يبدأ بالأقربين فيقتل والده أو عمه أو خاله أو أحد أقاربه الذين يحرسون الناس ويحمون أرض الدولة وحدود الوطن، فكانت المآسي التي آخرها تفجير مسجد طوارئ القوات الخاصة في عسير.
يا الله .. شباب في رعيان أعمارهم جاءوا لهذا المكان يتدربون على الفنون العسكرية من أجل أن يقوموا بخدمة ضيوف الرحمن موسم الحج القادم، يُعتدى عليهم وهم في بيت من بيوت الله يصلون لله صلاة الظهر!.
والسؤال الذي يجب أن نتفكر فيه ونُحذر ونحذرَ منه، وماذا بعد، نعم وماذا بعد أيها الدواعش.. ماذا بعد المسجد والصلاة ورجال الأمن خدّام ضيوف الرحمن، وما هو الحل إزاء هذا الفكر التكفيري الخطير!؟
أخشى ما أخشاه أن يصل الأمر إلى أن ينتقل هذا الإجرام الخطير على يد هؤلاء المفسدين في الأرض إلى العلماء والدعاة والمثقفين، وفي خطوة تالية يحاول التكفيريون الوصول لقادتنا وولاة أمرنا، وقد يستغلون المناسبات والتجمعات الشبابية لغرس خنجر الغدر في صدور أبناء هذا الوطن المبارك المعطاء، وما أروع كلام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - الذي يتناقله الناس هذه الأيام تحت مسمّى «وصية الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - للشعب السعودي»، والذي جاء فيها ما نصه : «خدمت هذا الوطن.. بلدي في عهد الملك عبد العزيز، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد - رحمهم الله جميعاً - والآن الملك عبد الله بن عبد العزيز، أسأل ربنا له التوفيق والسداد وأن يعينه بأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد .. أقولها بكل وضوح وصراحة نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، أقولها بكل وضوح وصراحة لعلمائنا الأجلاء، وطلبة علمنا، ودعاتنا، والآمرين بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطباء مساجدنا.. دافعوا عن دينكم قبل كل شيء دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، ودافعوا عن الأجيال القادمة، يجب أن نرى عملاً إيجابياً، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة لخدمة الإسلام ونقول الحق ولا تأخذنا في الحق لومة لائم، لنستعمل القنوات التلفزيونية، ونستعمل الإنترنت.. وأنتم كل وقت تقرأون وترون ما فيه .. أرجو من الله عز وجل لكم السداد والتوفيق.»
حرس الله عقيدتنا وحفظ ولاة أمرنا وحمى أوطاننا ونصر جندنا ورجال أمننا وتقبّل موتانا شهداء في سبيل الله وشفى مرضانا وإنا لله وإنا إليه راجعون، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.