فضل بن سعد البوعينين
«كم تبلغ كلفة عاصفة الحزم؟» كان السؤال الأكثر تداولاً منذ انطلاقة عمليات دول التحالف؛ لدعم الشرعية في اليمن. وبرغم أهمية مواجهة الانقلابيين؛ ودعم الشعب اليمني وتطهير أراضيه من النفوذ الصفوي المتوشح بعباءة الحوثيين؛ وتحقيق أمن واستقرار دول المنطقة؛ وتأمين الممرات البحرية التي تمر من خلالها صادرات الخليج النفطية؛ والتجارة العالمية؛ انشغل البعض في أمور جانبية يمكن تجاوزها في مقابل تحقيق الأهداف الأمنية الإستراتيجية الكبرى.
وعلى النقيض من ذلك؛ تجاهل الجمع تداعيات الإرهاب المدمرة على الاقتصاد في حال نجحت عملياته القذرة في تحقيق أهدافها المرسومة؛ وهي أهداف شيطانية يمكن الاطلاع على بعض نماذجها المؤلمة في ليبيا والعراق!. بل إن البعض من المتلبسين بفكر الإسلام السياسي؛ والمثقفين وأصحاب الرأي وقفوا موقف الضد من الجهود الأمنية الرامية للقضاء على شأفة الإرهاب بمبررات واهية؛ لا تقبل بها العقول السوية؛ فيما آثر البعض الآخر الصمت والتزام الحياد في قضية مصيرية؛ متسببين بتغذية الفكر التكفيري الإرهابي الذي يوشك أن يعصف بمقدرات الوطن وأمنه واستقراره.
تزكية بعض الإرهابيين؛ أو تزكية الحسابات المروجة للفكر الداعشي أحدثت أثراً بالغا في تمدد التنظيم داخلياً؛ وحصوله على الغطاء الشرعي والمجتمعي. منذ أن استهل تنظيم «القاعدة» نشاطه الإرهابي في السعودية؛ وهدفه الرئيس ضرب الاقتصاد من خلال استهداف مجمعات النفط؛ ومعامل التكرير؛ وهو الهدف الأول لجميع التنظيمات الإرهابية الموجهة إلى الداخل السعودي؛ بما فيها تنظيم «داعش» الذي بدأ مشروعه التخريبي بضرب المساجد؛ واستهداف رجال الأمن؛ ثم لن يلبث أن يتحول إلى استهداف قطاعات الاقتصاد الرئيسة؛ وفي مقدمها قطاع النفط؛ كما فعلت «القاعدة» من قبل.
تقوم الخطط الاستخباراتية المُوجِهَة لتنظيم «داعش» على فكرة «الفوضى المدمرة» التي تحول الدول المستقرة إلى دول ضعيفة يمكن إعادة تشكيلها وتقسيمها إلى دويلات صغيرة غير قادرة على حماية نفسها ومصالحها أمام التهديدات الإقليمية. الوصول إلى ذلك الهدف الرئيس يمر من خلال مراحل مختلفة؛ بدأ من إضعاف المواجهة الشرعية بالتشكيك بالعلماء الربانيين؛ ومهاجمتهم؛ واستعداء الخاصة والعامة عليهم؛ لتحييدهم؛ أو إضعاف قوة تأثيرهم الفكري والشرعي؛ ثم مرحلة التكفير واستباحة دماء رجال الأمن؛ ومحاولة تكريس فلسفة «شرعية الإستهداف» بينهم؛ وبما يضعف من عزيمتهم وإرادتهم ومعتقدهم الشرعي والوطني؛ ثم مرحلة تدمير القطاعات الاقتصادية ومقدرات الوطن سعياً وراء إفقار الدولة؛ وبالتالي عدم قدرتها على مواجهة التزاماتها المالية والتنموية.
خطط تدمير الاقتصاد؛ السابقة واللاحقة؛ توحي بوجود جهات تنظيمية خارجية أكثر تنظيماً من المجموعات الإرهابية الداخلية التي وإن كانت تتمتع بكثير من القدرات التخريبية إلا أنها تبقى بعيدة كل البعد عن تلك القدرات الخارقة التي تتمتع بها الجهات الخارجية.
يبدو أن تنظيم داعش بات في مرحلته الثانية؛ بعد تمكنه من اجتياز المرحلة الأولى التي استخدم فيها بقايا الفكر القاعدي؛ وأدواته؛ إضافة إلى استفادته من وسائل التواصل الاجتماعي؛ وحملاته الدعائية المحترفة؛ وتزكيات بعض الدعاة؛ عن علم أو جهل؛ وصمت البعض الآخر عن محاربته؛ وكشف ضلالته؛ والحكم عليه بالتكفير؛ وعلى عملياته بالإرهاب المحرم شرعاً وقانوناً.
ترك الساحة لجهلاء الأمة؛ وأميي الثقافة؛ ومحدودي النظر دون تدخل الجهات الرسمية لمحاسبتهم على أخطائهم القاتلة التي باتت تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها؛ وليس السعودية فحسب؛ أسهم في جرأة المحرضين؛ المؤيدين؛ والمبررين؛ وأعطى الصامتين سبباً لاستمرار تخاذلهم عن نصرة الحق؛ وحماية الوطن.
التفجير الإرهابي الأخير الذي استهدف مسجدًا لقوات الطوارئ السعودية في عسير، ما هو إلا جزء من عمليات إرهابية يحرص تنظيم داعش على توزيعها بشكل عشوائي في مناطق المملكة. عشوائية العمليات الإرهابية الظاهرة تخفي خلفها تنظيماً دقيقاً للتوزيع الجغرافي والنوعي للعمليات الإرهابية. وهو ما يستدعي رفع معدلات الحيطة والحذر.
نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز أكد على «ضرورة تكثيف الاستعدادات ورفع مستوى درجات الحيطة في مواجهة أي مستجدات قد تطرأ لا قدر الله». الأكيد أن عملية «داعش» الإرهابية لن تكون الأخيرة في سلسلة عملياتهم الإجرامية الممنهجة؛ فالحرب على الإرهاب حرب دائمة لا هوادة فيها ولا مجاملة؛ ويتطلب تحقيق النجاح فيها تجنيد الجميع لمواجهتها؛ ومحاسبة المقصرين؛ وردع المحرضين وكل من تسول له نفسه تبرير العمليات الإرهابية تصريحاً أو تلميحاً.
نحن في أمس الحاجة لإستراتيجية مواجهة تشتمل على الجهود الأمنية؛ الإعلامية؛ الفكرية؛ التنموية والشرعية. من خلاها يمكن تحقيق النصر على الإرهاب بشكل دائم؛ بإذن الله.. القاعدة وداعش ما هما إلا جزء من التنظيمات الإرهابية التي يمكن استنساخها طالما توفرت البيئة الحاضنة لأفكارهم المنحرفة. قطع جذور الفكر التكفيري؛ ومواجهته بحزم؛ وتجفيف منابع تغذيته؛ وتثقيف المجتمع بمخاطره؛ وتداعياته على الأمن والاستقرار ووحدة الوطن وسلامة اقتصاده يجب أن يكون بداية الطريق المؤدية للقضاء عليه؛ بإذن الله.