د.محمد الشويعر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد ولد آدم، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
الأمن العام، الذي ترعاه الحكومات، من أجل حماية وراحة المواطنين، والقضاء على ما يؤرّقهم، حتى يأمنوا على أنفسهم وأولادهم، وأموالهم وجميع ممتلكاتهم،
هو المطمئن للفرد والجماعة حتى تستقيم أحوال الناس، وتستقر أوضاعهم.
وهو ما ترعاه شريعة الإسلام، مع تقوية ركائز الإيمان بالعمل، مع تقوى الله، ذلك الحاجز الذي يمنع من استقرّ في قلبه الإيمان، من التجرؤ عليه، حيث تُحْمي بموجبه الأعراض والأموال وتُرعى المصالح بمهابة الدولة، ومتابعة ولاة الأمر فيها، كل ما يثّبتْ أركان الأمان في أطراف الدولة، حراسة للمواطن، حيث جاء في المأثورات: من أصبح آمناً في وطنه، معافىً في بدنه، قد كفل قوت يومه له ولأسرته، فكأنما حاز الدنيا بحذافيرها، والحكمة تقول: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان (يرويه بعضهم أثراً موقوفاً على ابن مسعود، لكنه في البخاري عن ابن عباس والفراغ ينظر جامع الأصول لابن الأثير، ط 1، تحقيق الأرناؤوط، ج11: 800).
وقد شدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مفارقة الجماعة، ولمن مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر بعقاب شديد، فقد مات ميتة جاهلية (صحيح مسلم، ج12: 333، برقم 1852).
والحديث الذي جاء في صحيح مسلم فقد جاء في آخره بعقاب رادع لغيره. عن عرجفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه).
ولأن الأمن في الأوطان مما ترعاه وتوفره الدولة بهيبتها ومكانتها، يترتب عليه أمن النفوس، والأمن على الأعراض، والأمن على الممتلكات والأموال، والأمن في الطرقات والتنقلات، والأمن على خصوصيات الآخرين، وكلّها تتعلّق بالمجتمع وترابطه، وهذا لا يثبته إلا قوة الدولة الرادعة، وقطع دابر كل فتنة تظهر رأسها، بالجزاء الصارم الذي جاء في القرآن الكريم، وطبّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهمه منه أصحابه.
فوسائل تثبيت الأمن من المطالب الملّحة، في كلّ بيئة تسعى إليها البشرية، في كلّ عصر وفي كل مكان، ويحميها الإسلام بالثبات وقوة الإيمان، وتمكنّها تعاليم الإسلام وبأهمية تطبيقها، ردعاً بما يزجر ويخيف، وقمعاً للمجترئين على ما شرع الله من حدود وعقاب، ونهياً وقمعاً، لمن يريد بالأمة وولاة أمرها شراً، وتخويفاً بسبب موت القلوب والحسد، ولمن يحركهم بغايات يراد بها شر.
ومن رأفة الله بعباده: أمنهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، بالجزاءات والحدود التي فرضها في كتابه الكريم.
فيجب على من آتاهم الله علماً وفهماً، ومن وهبه الله سُلطةً، ومن يريد للأمة خيراً، أن يسعى الجميع، وبتظافر الجهود في تاصيل المضامين الأمنية، وإبراز أثرها العام والخاص في طبقات المجتمع في المحافل، وعند الشباب بصفة خاصة -ذكوراً وإناثاً- وربط ذلك بالأمن العقدي الذي يحمي عن الانحراف، أو الاستهانة بتعاليم دين الله، وما جعل الله للدولة من مهابة، حيث قرن الله طاعة ولي الأمر بطاعته سبحانه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن من خرج عن طاعة ولي الأمر، وفارق الجماعة لمآرب شخصية فقد ارتفع عنه ظلّ الإيمان، ويخشى عليه ما لم يتب العقوبة، ورسول الله أكدّ في: (أن من مات وليس في عنقه بيعة لولي الأمر، مات ميتة جاهلية).
ولأهمية الأمن المرتبط بالأمان، فقد حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أهمية تطبيق الحدود، وبيّن في بعضها: (أن إقامة حدّ من حدود الله، خير من أن تمطروا أربعين خريفاً..) وهذا مما بان في عهده عليه الصلاة والسلام: بأن من اقترف ذنباً من ذكر أو أنثى، يأتي إليه عليه الصلاة والسلام ليطهّره بالحدّ، واعتبر ذلك الرسول الكريم توبةً وتطهيراً، وأماناً من عقاب الآخرة.
وقوّة الإيمان، تجعل لدى بعض النفوس، حارساً أمنياً في المجتمع الإسلامي المتفّهم لشرع الله، وحكمته سبحانه في تشريع الحدود والزواجر، إذ يروى لكثير من سلف الأمّة أنهم يحاسبون أنفسهم، عن كل هفوة، وبعضهم يعرض يده على النار لتأديب نفسه الأماّرة بالسوء، ويخاطب يده، بأنها لم تتحمّل نار الدنيا، فكيف بنار الآخرة. ويُشْعر نفسه بأن الأمان من شدة نار الآخرة، تذكّر هذا في الدنيا وردع النفس عمّا هو ذنب خفيف، في تلبيس شياطين الإنس والجن عليه، ويبكي وهو يقرأ: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} (37) سورة فاطر، وغيرها من الآيات، ليشعر نفسه تخوّفاً: كأن حرارة جهنم بين أذنيه.
اللهم أهدنا فيمن هديت.. وعافنا فيمن عافيت..