د. خيرية السقاف
كان العرب يقولون عن المرء المؤمن النافع كالنخلة «كل ما أتاك منها نفعك»، ..
ذلك لأنّ المؤمن شامخ بعزّته المنبثقة من إيمانه بربه، الواثق من أنّ الحياة لا تجمُـل بغير أهلها، وهم شعوب وقبائل، ما تعارفوا - على اختلاف أديانهم - إلا تضافروا على بنائها، وعمارها والسلم فيها، فيثمرون كالنخلة مع اختلافهم، ويتعايشون في سلام ما استنّوا قوانين التعايش، وعملوا على احترام الحقوق، والحدود..
من كان منهم مسلماً، أو يهودياً، أو نصرانياً فتلك السنّة الكونية تنص بتنظيم العلاقات، وهي أسّ القانون، ومصدر التنظيم، ومحك الحدود، إذ كل الديانات السماوية تحمل البشر على تقدير النفس، وحماية الأرواح..!!
الغريب أنّ من يدّعي التحضُّر منهم، والتفوق، هو من يكسر هذه النظم، ويتجاوز هذه المعاهدات، وينقض هذه القيم في ضوء الرغبة في الهيمنة على مساحات الأرض، ومدخراتها، دون اعتبار للأرواح، ولا للنفوس، ولا لسيادة العدل، والحق..
كلام كثير كثير يمكن أن يتدفق من جُملة حِكَم قالها الإنسان في زمانه حين كان الزمان طيباً بأهله، يفرِّغون فيه ليلهم لتحبير فكرهم، ونهارهم لتطبيق قولهم،
وكان حتى الطير في السماء يجوب في رحلاته بلا قيود أقفاص، والحيوان في براحاته دون قيود محميات، والناس تتمتع بسفر العقول، ومتعة التفكير، وطيب الخاطر، ومنتهى راحة الإحساس، وطمأنينة الحياة السهلة، والطموحات البيضاء..
وإن كان فيها ما فيها من هجمات النفوس البشرية تلك التي لم يهذبها فكر، ولم ينظمها وعي، ولم يلجم نزوات ظلامها نور..!! وبينهم أناس يعيشون في متعة الرضا، وهجدة النزوات.
يبدو في هذا الوقت أنّ الظلام يحل مقيماً بالبشرية، لأنّ سواد نفس إنسانها المقتدر قد طغى على كل ما تعلمه، وتعرفه إذ تسارعت به هذا الإنسان طموحاته الوضيعة..
فهذه الأنقاض فوق الرُّضَع، وهذا الدمار على رؤوس الرُّكَع، وهذه الأرواح المتطايرة أشلاء أجساد كانت تنبض فيها، وهذه المدن القائمة التي انقضت، والمساجد الواسعة التي دُمِّرت، وضحكات البائسين الصفراء المجلجلة، ودموع الخائفين الملونة باختلاف النوايا، وانتصارات المهزومين إنسانية بأوضاعهم، خير شاهد على أن لا نماذج نخلات نافعات في إنسان العصر الفاتك بسلام البشر، بكل اختلاف أجزاء صور الحياة الفاضحة لسوئه على امتداد أجزاء الأرض المتفرقة، والساترة لعيوبه فوق أجزائها الأخرى تلك البراقة منها بصولة المتنفذين فوقها،..
هذه الأرض شاسعة، ضيقة في عيون إنسانها المنهزم بانتصاره، المنتصر بترديه.