د.موسى بن عيسى العويس
تنجح المؤسسات أيّاً كانت إذا جعلت من ضمن خططها المراجعة والتقييم لأعمالها التنفيذية بين فترة وأخرى، وربما كان من الأخطاء التي ترتكب من بعض المؤسسات هو الاستعجال والرغبة في التغيير دونما دراسة واعية، أو الاتكاء على تجربة قصيرة.
* نزاهة، ورغم الضغوطات التي واجهتها من الرأي العام إبان النشأة، كغيرها من المؤسسات إلا أن القائمين عليها كانوا أكثر حصافة في الرأي والتفكير، وكانت على امتداد السنوات الأربع الماضية متأنية كل التأني، وهي تقيّم واقع الفساد، والممارسات الإدارية التي ربما كانت تشكل ثغرات تلج منها المخالفات والتجاوزات، أو القصور في أداء الخدمات العامة المقدمة للمواطنين. كانت بالفعل تدرس أفضل الممارسات مع المشكلات والقضايا التي ترد، ومدى صلتها بما يرد من بلاغات بشكل مباشر أو غير مباشر بمهامها واختصاصاتها.
اليوم، وبعد تلك التجربة الثرية، وما حملته من معطيات كانت حافلة بالآثارة والكثير من التجاذبات بين الدفاع والهجوم، والتصالح والمخاصمة. اليوم تلتفت (نزاهة) مرة أخرى إلى الخطة التنفيذية وآليات المتابعة للإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، والتي هي الأساس التي اتكأت عليها في تنظيمها. التفتت، لتضع خطوطاً عريضة للتوجهات الإستراتيجية الجديدة ربما على مدى أربع سنوات قادمة، وحظيت تلك التوجهات بدعم غير محدود من القيادة العليا، هذا الدعم هو ما سيضاعف المسؤولية على هذا الجهاز.
* التقطت (نزاهة) في إحدى مبادراتها الإستراتيجية ما كان بالفعل الشغل الشاغل للمواطن، والهم الأكثر من المتابعة من أصحاب الرأي العام في هذا البلد، بل وما يشكل إحدى المفاصل القوية المؤثرة في الاقتصاد الوطني، ومسيرة التنمية. هذه المبادرة تستهدف (المشاريع الإستراتيجية الكبرى) التي رصدت لها الدولة مبالغ طائلة، وستنفق عليها كما أنفقت على غيرها بسخاء غير محدود.
* إحصاءات ودراسات كثيرة متضاربة أحياناًً تنقلها بعض المؤسسات والجهات ذات الصلة عن المشاريع المتعثرة، وحجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد الوطني جراء التأخر، أو سوء التنفيذ لبعضها، وقد قدرت إحدى الدراسات - إن كانت دقيقة - حجم الخسائر في سنوات مضت بأكثر من (أربعين ملياراً).
* أمام هذا الرقم، وكل هذه العوامل، أو غيرها من أسباب أدركت (نزاهة) حجم المشكلة، وأهمية التركيز في هذه المرحلة القادمة على المشاريع التنموية الكبرى، ذات الأثر الكبير على حياة المواطن السعودي، والبنية التحتية لخدماته، فعمدت بشكل استقصائي إلى حصر تلك المشاريع التي رأت أولوية المتابعة لها من أكثر من جهة بدءاً من مراحل الطرح، وإجراءات الترسية، وانتهاءً بمراحل التنفيذ، وغير ذلك من الخطوات الرسمية التي تضمن الجودة في المنتج.
* هذه الإستراتيجية الجديدة تحتاج إلى نفس طويل من الرأي العام، ليقطف ثمرة هذا التوجه والجهد الذي سيبذله الفريق المكلف، والذي وفر له كل مقومات النجاح من داخل الهيئة.
* في مثل هذه المبادرة الطموحة فإن من المؤمل من جميع المسؤولين والموظفين على اختلاف مستوياتهم ومن جميع الجهات أن يضعوا، وهم يتعاملون مع القضية، مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار، فالنجاح فيه سينسب للجميع، والإخفاق سيتحمل تبعاته الجميع كذلك.
* مشروع كهذا من المؤمل، ومن باب الشفافية أن يعرف المواطن كل تفاصيله، وإجراءات سير العمل فيه بدقة، لكي يواكب بنفسه مراحل التنفيذ والنجاح، وليسهم كذلك قدر الإمكان بتقييمه ودعمه.
* بإيجاز شديد، هذا هو المشروع الأفضل، وهذا هو المشروع الأجدر، وهذا هو المشروع الأكثر أهمية في المرحلة القادمة من مراحل مسيرة التنمية الحرجة التي تتطلب منا وقفة صادقة مع كل ما يؤثر على اقتصادنا، وعلى المركز المالي لبلدنا. والوطن على كل حال، وتحت أي ظرف أمانة في الأعناق.