قاسم حول
قامت قناة «ناشيونال جيوغرافيك» بإنتاج فيلم عن القاتل النرويجي «إندرياس بريفيك» الشخصية المركبة والغرائبية التي شغلت دولة النرويج بكاملها وأوربا والعالم معها.
«إندرياس بريفيك» شخص أشقر البشرة طويل القامة نسبيا ورشيق وهادئ الطباع وقليل الكلام. يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عاما. وكما يحصل في الأفلام الأمريكية التي جسد تأثيرها على المتلقي المخرج اليساري «مايكل مور» التحق «بريفيك» بشركات التدريب على السلاح وإصابة الأهداف, مدعيا بأنه يريد أن يتقدم للمسابقات التي تجريها النوادي الرياضية في إصابة الأهداف.
لقد جلبت «ناشيونال جيوغرافيك» ممثلا بديلا تقترب مواصفاته شكلا من مواصفات القاتل «بريفيك» بعد أن أكتمل التحقيق مع منفذ جريمة جزيرة «بوتويا» النرويجية وكتبت القصة بكامل تفاصيلها فإنتجت بفيلم يطلق عليه الدراما الوثائقية.
بعد أن أكمل القاتل دورة التدريب على إصابة الهدف بالمسدس وهو يرتدي البدلة الرياضية الخاصة تمكن من الحصول على ملابس رجل بوليس. كانت جزيرة «بوتويا» جزيرة نائية فطرية تأمها مجموعات شبابية من الجنسين ويتعلمون العيش في المناطق الصعبة، يبنون الخيام ويقومون بطبخ طعامهم والسير في الغابات متمتعين برغبة مقاومة الحياة الصعبة كي يعودوا أشداء إلى مدنهم. السائحون تنقلهم زوارق من ساحل البحر صوب الجزيرة وتعود في موعد عودتهم أو عند الضرورة باتصال عبر الهاتف النقال.
وصل «بريفيك» المتلبس بشخصية الشرطي وبكامل قيافته العسكرية وبمسدسه وطلب من صاحب الزورق أن ينقله إلى الجزيرة بإدعاء مهمة حراسة السائحين ومراقبة الجزيرة، وبشخصيته المتقنة تمكن من إقناع صاحب الزورق، وهي المرة الأولى التي يذهب فيها شرطي ليراقب الجزيرة ويراقب الرحلات الطلابية والسياحية الشبابية.
يقتنع صاحب الزورق بشخصية «بريفيك» وينقله إلى الجزيرة ويعود. يبدأ «بريفك» باغتيال ضحاياه الأبرياء من الطلبة والطالبات. أول وجبة من الأبرياء بلغت ستين ضحية. وبدأ الآخرون يفرون وينتشرون في غابات الجزيرة ويتصلون عبر هواتفهم النقالة بالشرطة وبشركة النقل، لكن الشرطة تأخرت في الوصول إليهم حتى عبر طائرات الهليوكبتر ما مكنه ذلك من ملاحقة الطلاب في الغابة وتمكن من قتل اثنين وثلاثين من الأبرياء في مناطق مختلفة من الغابة.
الفيلم عرض علينا القصة كما رواها هو في التحقيق ونحن نشاهد الأحداث كما حصلت من خلال إعادة تمثيلها وثائقيا كما حصلت. وقد تحدث بعض الطلبة من الطالبات اللواتي نجين من إطلاقات مسدسه عن تفاصيل أخرى مثيرة في طريقة اختفائهن في الجزيرة وسط الأدغال وطريقة بحث القاتل عن ضحاياه لحين تمكن البوليس من الوصول إليه وشاهدنا طريقة القبض عليه وهو يتصرف بدم بارد.
في كل ملفات الأمن والشرطة ثمة جرائم مطابقة لما يعرضه التلفاز وتعرضه صالات السينما. متطابقة نصا واعترافات منفذي الجرائم تؤكد تأثرهم بمشاهد معينة من تلك الأفلام والمسلسلات. وحتى في ملفات الأمن العربي ثمة جرائم متطابقة لتلك الأفلام والمسلسلات.
في تقرير كتبته «رانيا سعد» ونشرته صحيفة الزمان، كتبت تقول:
(.. إن وسائل الإعلام المرئية واحدة من أهم أسباب انتشار الجريمة في مصر، فقد ساعدت على إفراز ما يسمى بالجريمة المصورة التي توضح بالصوت والصورة طريقة تنفيذ الجريمة بصورة وحشية وتترك أثرها في نفوس المشاهدين خاصة من الأطفال والشباب الذين يسرعون بتقليد هذه الأفلام والمسلسلات. ومن أبرز هذه الجرائم ما قام به سفاح المطرية الذي قتل اثنين وعشرين شخصا في ثلاثة أشهر، وحكم عليه بالإعدام. وعندما سئل هذا السفاح عن الطريقة التي كان يرتكب بها جرائمه قال.. كنت أرتكب جرائمي مع جميع الضحايا بطريقة تعلمتها من الفنان «عبدالله غيث» في أحد مسلسلاته الشهيرة. أيضا الجريمة التي قام بها طفل عمره خمس سنوات، عند قيامه بسرقة سبعين ألف جنيه, وقال رجال الشرطة أنها تدخل تحت نطاق الجريمة الكاملة، ومن جانبه قال الطفل الذي نفذ الجريمة أنه اتبع طريقة الممثل «أشرف عبد الباقي» في مسلسل الصبر في الملاحات... وحاول الأطفال محاكاة أبطال المسلسل الأمريكي «باور رينجرز» بقفزة من الطابق الرابع. وقام آخر بشنق نفسه فوق شجرة بعد مشاهدة فلم الملك الأسد).
إن تأثر المتلقي بأحداث مصورة تعرضها شاشات التلفزة ليس تأثرا سيكولوجيا، بل هو تأثر فيزيائي محض لعلاقة الصورة بشبكية العين، وهو المبدأ الذي حرك الصورة من الثابتة إلى المتحركة. لذا ينبغي إعادة النظر في ما يطلق عليه حرية التعبير وحرية المشاهدة. وما هذا الحشد من الذين يلتحقون بتنظيم «داعش» سوى بعد ما يعرض على شاشات وسائل الاتصال وما تعرضه الشاشات التلفزيونية من نحر مبرمج ومخرج بشكل مثير ينفذ إلى ذوات كثير من المترددين في الحياة بين ما هو «صح» وما هو «الخطأ» والميل نحو الكفة الراجحة في ذواتهم فيزيائيا!