زكية إبراهيم الحجي
فلسفة الـ(أنا) والـ(أنا) الآخر هي فلسفة تعامل بين إنسانٍ وإنسانٍ آخر على أنه الأنا الآخر.. ومفهوم الأنا والأنا الآخر هي نقطة انطلاق لوعيٍ إنساني جماعي ولعالم ومستقبل إنساني مشترك يُشكل مرحلة في سياق التاريخ البشري.. ولعله من المناسب أن نطلق على هذه المرحلة عصر «الإنسانية»والتي نتمنى بالفعل أن تكون محققة على أرض الواقع عوضاً عن الشعارات التي تخلب العقول بما تحويه من عبارات منمقة براقة تتردد على الألسن وفي وسائل الإعلام المختلفة بينما هي في الحقيقة فارغة من أية مصداقية..
ويكاد يخلو مضمونها من أية أبعادٍ فلسفية تؤسس لعلاقات إنسانية بين إنسان وآخر من حيث المساواة والكرامة.. الحقوق والواجبات والقيم وتوحد الجميع على مبادئ إنسانية مشتركة من منطلق التماثل الجوهري الإنساني بين أفراد المجتمع.
مسألة الأنا التي تعني في مفهومها التمركز والذاتية وأحياناً الذاتية المتعالية لها دلالة عميقة وخطيرة إذ إنها نمط من التفكير المترفع الذي ينغلق على الذات ويحصر نفسه في منهج معين وصاحبها لا يقارب الأشياء إلا عبر رؤيته الخاصة.. يعيش حالات من التحايل والمراوغة مع الآخر بانتظار لحظة تصادم عندما تتعارض الأفكار وتتصادم المصالح.. إن على المستوى العائلي أو الاجتماعي أو في مجال العمل أو على صعيد الحياة بشكل عام.
إن جدلية الصراع بين الأنا والآخر جدلية طويلة تمتد جذورها إلى البدايات الأولى للإنسانية.. فمنذ وُجِد الإنسان على وجه البسيطة كانت جينة الأنا متأصلة في أعمق علاقاته.. ولعل صراع الأخوين قابيل وهابيل يمثل أنموذجاً إنسانياً يجسد حالة التضاد القائمة بين الأنا والأنا الآخر.. الأنا المسيطرة التي ترى نفسها صاحبة السيادة والقيادة.
إن مجرد نظرة إلى عالم البشرية اليوم تشعرنا بمدى تفاقم عقدة جدل الأنا والآخر.. وكيف أصبحت العلاقة بينهما علاقة ضدين متنافرين في ظل صراعات محتدمة طالت جميع نواحي الإنسانية.. وبتنا نرى إلا في ما ندر أنه لا وجود لأي إنسان آخر إلا في حالة «أنا» ولا وجود للأنا إلا في من يتوهم بأفضليته على الآخرين.. ولا وجود لها إلا في من يرفض المساواة بالآخرين في القيم الإنسانية والكرامة والحقوق والتعايش في دوائر مشتركة مركزها التماثل في جوهر «الأنا» رغم التفاوت في درجات التميز والاختلاف والتنوع بينهم.
عالم البشرية اليوم لم يعد ينقصه شعارات نصائح براقة ودعايات ملونة، فالظروف القائمة في ظل هيمنة ثقافة وأطماع وصراعات الأنانية وحب الذات.. أصبحت على درجة من الخطورة بحيث يحتاج العالم البشري إلى فلسفة إنسانية بمنطق إنساني.. تخترق سماكة اللامبالاة في نفوس أنانية متحجرة.. العالم البشري بحاجة إلى رؤية فلسفية تنطلق من بديهيات إنسانية قوامها تشابه نظرة كل إنسان في نظرته الإنسانية إلى الآخرين.. فإذا تحرر كل إنسان من سجن «الأنا» والتعصب الأعمى للذات.. لأدرك معنى تفاوت درجات التميز والاختلاف والتنوع بين البشر.. ولأنهم متشابهون في جوهر الـ(أنا) فهم كذلك مختلفون.. متشابهون في حاجتهم للمال وعلى المال هم يختلفون.