د. محمد عبدالله العوين
تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - إلى أمريكا ولقائه مع الرئيس باراك أوباما في ظروف دولية حرجة ومرحلة صعبة من مراحل التأزم في مواقف الدول الكبرى وتنافرها - أحياناًً - في الرؤية حول أزمات المنطقة العربية، ومن ذلك تعارض - إن لم نقل تصادم - الموقف الروسي بالأمريكي في القضية السورية.
تأتي زيارة الملك سلمان إلى أمريكا ومحادثاته المهمة التي تمت أمس الجمعة في البيت الأبيض لإبانة وتجلية الرؤية السعودية والجهود السياسية والعسكرية والإنسانية السعودية لبتر واستئصال آثار التمدد الفارسي في المنطقة، والحد إن لم يكن إنهاء طغيان نظام بشار على الشعب السوري والسعي إلى تكوين نظام سياسي جديد يرتضيه الشعب السوري يعيد بناء ووحدة سوريا وينقذ ما تبقى منها ويحافظ على الشعب السوري من الهلاك والموت الذي يحاصره في الداخل ببراميل بشار وصواريخه وغازاته؛ إما مباشرة أو على يد أذنابه وتنظيماته السرية والعلنية؛ كداعش وحزب الله اللذين يمارسان إجرام بشار نفسه وإن كانا مختلفين في الظاهر؛ ولكنهما متفقان كل الاتفاق في الباطن على الغايات والأهداف والمرجعيات، ومختلفان في طرائق التنفيذ.
يزور الملك سلمان أمريكا لأول مرة بعد تسلمه مقاليد الحكم في المملكة في ظرف سياسي مرت به العلاقات بين أمريكا والسعودية بحالة لا يمكن إخفاؤها عن نظر المراقبين من الفتور وعدم التفاعل بإيجابية كما كانت علاقة الصداقة الإستراتيجية الأمريكية السعودية المتنامية على مدى أكثر من سبعين عاماً منذ اللقاء التاريخي المهم بين المغفور له الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن الطراد كينسي عام 1945م.
صحيح كانت وجهات النظر غير متطابقة ولا متوافقة كل التطابق في عدد من القضايا؛ كالقضية الفلسطينية والغزو الأمريكي للعراق ثم إهدائه لإيران؛ ولكن المساعي الدبلوماسية لم تتوقف أو تنقطع بين الدولتين لإيجاد حلول منطقية وعادلة ومقبولة ترضي العرب وتحفظ لهم حقوقهم وتحافظ على توازن القوى في المنطقة؛ وبخاصة بين العرب وإيران.
إلا أن الموقف الأمريكي الأخير تجاه النووي الإيراني والاتفاق مع إيران على منحها صلاحية استثمار الطاقة النووية ورفع العقوبات الدولية عنها والسماح لها بأن تكون القوة النووية المهيمنة على المنطقة متقاسمة ذلك مع إسرائيل أغضب العرب جميعاً، وأثار حفيظتهم وقلقهم من تغول الأطماع الإيرانية في المنطقة؛ مما يهدد الدول العربية جميعاً؛ وهو التحفظ أو القلق الذي لم يكن خافياً في الموقف السعودي؛ بل تبين بصورة واضحة ومكشوفة في حالتين؛ الأولى حين زار الرئيس أوباما الرياض في أواخر أيام الملك عبد الله - رحمه الله - وإلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان مزمعاً عقده صبيحة يوم الجمعة في تلك الزيارة، وما صاحبها من ترتيبات بروتوكولية ملاحظة، والثانية تكليف الملك سلمان - حفظه الله - من ينوب عنه لحضور مؤتمر كامب ديفيد الذي عقده الرئيس أوباما مع زعماء دول مجلس التعاون بعد إبرام الاتفاق النووي لطمأنتهم وإزالة الشكوك والمخاوف من هذا الاتفاق عن نفوسهم.
إنها جملة لا يمكن أن نحصيها من الأخطاء السياسية التي ارتكبتها أمريكا في ديار العرب؛ إن لم نقل «خطايا» سيبوء بإثمها البيت البيض وستنعكس على الولايات المتحدة الأمريكية عاجلاً أو آجلاً إن لم تعد أمريكا حساباتها مع دول المنطقة وتراجع ما أنتجته سياستها المنحازة ضد العرب من ثمرات مرة وما أوقدته من لهيب يحرق الآن الأخضر واليابس وقد لا يسلم من شرره العالم كله؛ حتى وإن تباعدت الأمكنة والبقاع، فالإرهاب لا مكان ولا حدود له، وينتقل بين القارات كفيروس الإنفلونزا، وربما يكون على قائمة ضحاياه من أنتجوه وأطلقوا سراحه من قمقمه في معاملهم!
إن من أكبر خطايا أمريكا إعلاء السيادة الإيرانية بمنحها العراق بعد احتلاله وتدميره، ثم منحها السلاح النووي، ثم صمت أو ربما تأييد ودعم بقاء وكلائها في المنطقة وحمايتهم؛ كنظام بشار وحزب الله وغيرهما..
تتمة المقال يوم الإثنين..