د. عبدالواحد الحميد
بصرف النظر عن نتائج التحقيق التي سيتم التوصل إليها بشأن ما جرى لعائلة أحد المواطنين السعوديين في مطار أتاتورك بأسطنبول، فإن من اللافت للنظر أن الكثير من السعوديين الذين فضَّلوا في السنوات الأخيرة أن يقضوا إجازاتهم الصيفية في تركيا بدلاً من الوجهات الأخرى اكتشفوا أن سقف توقعاتهم عن ذلك البلد كان مرتفعاً بعدما تعرضوا لبعض المواقف غير الطيبة في تركيا الشقيقة.
فالسعوديون الذين كانت تركيا في البداية بمثابة اكتشاف بالنسبة لبعضهم وذلك لطبيعتها الجميلة وآثارها التاريخية والراحة النفسية التي شعروا بها وهم يُصَلّون في مساجدها ويسمعون صوت الأذان في الأوقات الخمسة صُدِموا بجلافة التعامل التي يتلقونها في بعض الأماكن الرسمية والمواقع السياحية وكأنها مقصودة وموجهة لهم وللخليجيين بشكل عام بخلاف ما يلقاه سياح آخرون من جنسيات أوروبية وأمريكية وغيرها.
ربما أن بعض السعوديين والخليجيين يتصرفون أحياناً بتلقائية، وربما أن حاجز اللغة يؤدي أحياناً إلى سوء تفاهم، لكن الغريب أن ردود الأفعال من بعض الإخوة الموظفين الاتراك يكون مبالغاً فيها. فكما أن بعض الخليجيين قد يتصرفون بتلقائية تقترب في نظر بعض الأتراك من السلوك الفوضوي فإن الكثير من الأتراك وبخاصة القادمين من خارج المدن الكبرى يتصرفون بطريقة قد تكون أكثر فوضوية من بعض الخليجيين وبالتالي فإن تلك السلوكيات ليست غريبة عليهم مثلما قد تكون غريبة في لندن أو باريس مثلاً، وهذا ليس دفاعاً عن أي سلوك غير منضبط من الخليجيين وإنما فقط لوضع الأمور في نصابها خصوصاً عندما نلاحظ التصرفات التلقائية لبعض الاوروبيين والأمريكيين وبعض الجنسيات الأخرى حين يمارسون سلوكيات صادمة وغير مقبولة وغير مريحة لغالبية الناس في مجتمع مسلم كالمجتمع التركي سواء في ما يتعلق بالملبس والمظهر أو في مظاهر السلوك الأخرى. ومع ذلك لا يتعرض الغربيون للمضايقات التي يتعرض لها السائح الخليجي.
لقد انجذب الخليجيون إلى تركيا وبأعداد هائلة وهم يحملون معهم عملتهم الصعبة سواء كسياح ينفقون أضعاف ما ينفقه السائح الغربي أو كمستثمرين في العقار وفي غير العقار، وقد بدت تركيا -على الأقل من الناحية النظرية- بديلاً أقرب إلى نفوسهم من بعض الدول غير الإسلامية. ولكن صنوف المعاملة التي يتعرضون لها قد تجعلهم يعيدون حساباتهم.
نحن نحب تركيا، الشقيقة المسلمة، ونحب إخوتنا الأتراك ونريد أن يعاملوننا على الأقل كما يعاملون السياح الإسرائيليين والألمان والبريطانيين والأمريكيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى. وقد استثمر الكثير من السعوديين والخليجيين في الاقتصاد التركي واشتروا الشقق والمنازل لتكون تركيا بمثابة البلد الثاني لبعضهم.
أتمنى أن تعمل الحكومة التركية على إيجاد الظروف التي تساعد على اطمئنان السائح والمستثمر الخليجي؛ وإذا كانت لا تستطيع فإن من واجب الحكومات الخليجية تنبيه مواطنيها إلى ذلك. أكرر القول أنني أكتب عن هذا الأمر بصرف النظر عما ستسفر عنه التحقيقات في قضية الأسرة السعودية في مطار أسطنبول، فهناك قصص أخرى مؤسفة لا أود أن أتطرق إليها لأن الهدف ليس صب الزيت على النار ولأن تركيا تظل دولة شقيقة وعزيزة على قلوبنا.