سعد بن عبدالقادر القويعي
في أحدث دراساته التي تدق ناقوس الخطر، أصدرت حملة «السكينة» التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية تقريرا عن شخصية الانتحاري الأكثر تعقيدا، وصعوبة في التعرف عليها، وأن أبرز الخطوات التي يتم بها تهيئة الانتحاري لتنفيذ أي عملية إرهابية، هو جعله قادرا على التمثيل، والتلبس بشخصيات، وهيئات أخرى.. جميعهم ما بين 18 ـ 26 سنة، وأن تعليمهم منخفض، وأدوارهم في التنظيم هامشية إلى أن يتقدم بطلب الانتحار، فالتنظيمات الضالة تضع مرتبة، ومكانة متميزة لطالب الانتحار.
ولسهولة تأثير المنظمات الإرهابية على صغار السن بالدرجة الأول؛ نظرا لاندفاعهم دون موازنة الأمور، وحبهم لإبراز الذات بعيدا عن القرار السليم. وهذا المنحى أكدته تقييمات الخبراء النفسيين، بأن إستراتيجية هذه التنظيات في تأهيل الأطفال للقتال تقوم على أسس ثلاثة، هي: زرع المفاهيم المتشددة في نفوسهم، والتركيز على فقه الجهاد الخاطئ، والاهتمام بالتأهيل البدني تحضيرا للعمليات الإرهابية، والقتال الأعزل، والتركيز على الإعداد العسكري.
من جانب آخر، فإن شبكات التواصل الاجتماعي، بدءا من المواقع الإلكترونية، مهّد لضرب البنية الوجدانية، والروحية للفرد، ومن ثم عملت على تجريده من كل المشاعر الإنسانية، وزجها بعد ذلك في معسكرات الإرهاب، وذلك عن طريق مقاطع فيديو ؛ ليكون الجذب البصري الذي يظهر في أفلام التنظيمات الإرهابية، والتسويق لها بأنها مناهضة للغرب أدعى في النفوس عبر تجربة تدين حديثة؛ لكنها ممزوجة بروح التضحية، ومشبعة بالفكر الجهادي الخاطئ، بما يتوافق مع توجهات تلك المنظمات المشبوهة.. من أجل تحقيق مآربها في استدراج صغار السن إلى ساحات الوغى.
أيضا، فإن الإحباطات النفسية التي يعاني منها صغار السن ؛ نتيجة عدم تكيفهم مع المجتمع، والمناخ الاجتماعي كان سببا رئيسا في اتباع أساليب التأثير المباشر، وغير المباشر، - وبالتالي - غرس المعتقدات الفكرية الشاذة في عقولهم. وهذا دليل واضح على أن التغذية مستمرة، وكلما صغر سن هذه الفئة، سهلت السيطرة عليها، وكان الهدف أسهل، وأقرب ولأن التنظيمات الإرهابية تبحث عن الاستمرارية لسنوات زمنية طويلة، فإن هكذا تجنيد سيخرج أجيالا أيديولوجية متطرفة قادمة، تحمل الفكر المغلوط لسماحة الدين الإسلامي، وسيعمل على تخريج قتلة، وإرهابيين.
إن ظاهرة الإرهاب لا تعالج جزئيا، بل يجب تفحصها، وفهمها، ودراستها بهدوء، ومن كل جوانبها. ومواجهتها لا يمكن أن تكون إلا بابتعاون إقليمي، ودولي - هذا من جهة - ومن جهة أخرى؛ فإن مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية تقوم بالتركيز على التوعية الأمنية، وتوضيح مخاطر الجماعات المتطرفة، وهو ما أشارت إليه حملة « السكينة « في تقريرها المشار إليه أعلاه، وذلك من خلال نشر فتاوى العلماء الكبار في تحريم العمليات الانتحارية، وتزويد الموجهين، والمعلمين، والخطباء، وأئمة المساجد بنسخ منها، ومناقشة شبهات المنحرفين في إباحة هذه العمليات، وتوعية مجتمعية شاملة عبر وسائل الإعلام، والإعلام الجديد بصفات الانتحاريين الفكرية، والنفسية، والسلوكية، وبيان حكم العمليات الانتحارية، -إضافة - إلى المعالجة النفسية، والفكرية لمن تبدو لديه مظاهر الاضطراب في هذا الاتجاه وفق الأسس العلمية، والنفسية المعتبرة، وتعزيز الانتماء الديني المتوازن، والوطني، والارتباط الأسري في المجتمع، وتوسيع مجالات المشاركة الشبابية، والإفادة من طاقاتهم مما يعزز لديهم الثقة، ومحبة الواقع، ووجود مُكتسبات، عن طريق إنشاء مراكز توجيه أسري في مختلف المناطق.