فيصل خالد الخديدي
الأنقياء غالباً ما يتركون آثارهم في كل ما حولهم، ويرحلون دونما أي ضجيج.. وماذا بعد الرحيل إلا الضجيج..
ياسر أزهر فنان تشكيلي ومثقف، ذو رؤية فنية وشخصية تشكيلية متفردة، أبدع في كل مجالاته بصمت، ورحل بهدوء.. غادرنا هذا الأسبوع إلى الرفيق الأعلى تاركاً لكل من عرفه عن قرب أو تعامل معه صدمة الفقد وألم الغياب، وذكريات لا تنسى من طيب المعشر ونقاء الروح وصفاء السريرة ورقي التعامل وإبداع متناه بعيداً عن الأضواء وحب الظهور.. عشق الفن، وعمل بروحه وروحانية وصفاء ونقاء فحقق له الفن الحضور والهيبة والقبول لدى كل من عرفه، فعاش الفن تعاملاً وسلوكاً ورقياً، انعكس بصدق وشفافية في تعامله وإنتاجه، فظهرت أعماله التشكيلية بطابع هندسي تكعيبي ومساحات لونية نقية كنقاء روحه، تتماهى بين التوافق اللوني والتباين وتكوينات مدروسة بشكل دقيق جداً، فتمكن وتفرد بشخصية أعماله التشكيلية، فتوالت الجوائز المحلية والدولية على أعماله، ولم تزده إلا همة وإصراراً وحماساً؛ فالفن حياة وليس جوائز ولا معارض ولا أعمالاً فقط.
واستمر في الإبداع والتميز، وأكمل دراسته العليا في مرحلة الماجستير، وتميز ببحث متفرد في الطرح والموضوع، فحقق حضوراً لافتاً وُصف بأنه الأبرز في الدرجة والموضوع والجهد والمضمون.. ولم يقف به التميز عند هذه الحدود، فالفن حياة عاشها وإن قصرت به السنون، فالمنجز امتد بها وبه، فالعمر عند المبدعين يحسب بالإنجاز وليس بعدد السنين.. فمن خلال عمله في أمانة جدة قدم وزملاؤه بالأمانة خريطة جدة للأعمال الفنية، وهي إحصائية إلكترونية، جمعت صور الأعمال الفنية التي امتلكتها الأمانة وجميع الأعمال الفنية القائمة بجهود أفراد ومؤسسات وشركات. ووضعت هذه الأعمال الفنية على شكل نقاط إلكترونية على خريطة جدة للأعمال الفنية، التي تظهر المواقع مع صور المجسمات والمعلومات الكاملة عنها، من اسم الفنان - اسم العمل الفني - خامته - تاريخ إنجازه.. ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تم إعلانه - رحمه الله - قبل سنوات مشروع (الكتاب الإلكتروني) من ضمن مشاريع الأمانة، الذي قال عنه: «وهو من المشاريع التي اهتمت بها الأمانة، وما زلنا في الخطوات النهائية من هذا الكتاب، وسينشر على الإنترنت قريباً ليستفيد منه طلاب الفنون والجامعات والفنانون».
مشاريع عديدة ورؤى فنية كثيرة كانت تزدحم بها الدقائق الأخيرة التي التقيته فيها - رحمه الله - في لقائنا الأخير في جناح أمانة جدة بسوق عكاظ، ولكن الرحيل المر كان أسبق، والإيمان بالقضاء هو الأبقى، ولا نملك له إلا خالص الدعاء والكثير من الذكريات والذكرى الطيبة لكثير من شمائله والمواقف الإنسانية والفنية التي لا تنسى، رحمه الله، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
ترنيمة أخيرة:
لم أعلم قبل فقدك أن النجوم في الثراء تغيبُ..