رجاء العتيبي
تنبئك بعض ردود الأفعال التي واكبت سقوط الرافعة في الحرم المكي الشريف الأسبوع الماضي، عن عقول صدئة، وقلوب حاقدة، ونفسيات مريضة، فماذا يمكن أن يُقال في هذا الموقف المؤلم، سوى الترحّم على الأموات، ومحاسبة المقصِّر.
أما تدبيج القصائد المتطرّفة التي تصف سقوط الرافعة بالسجود، فهذا أمر لا يمكن أن يقبله عقل، ولا منطق ولا دين، مهما كان مبررات المجاز اللغوي، فالأمر لا يحتاج مجازاً شعرياً يحيد بالموقف عن حقيقته، ليصل بنا إلى (تديين) الحدث بصورة فجَّة، وإلى أوصاف مضللة ما أنزل الله بها من سلطان.
وواكب (سجود الرافعة) حسب وصف شعراء متطرّفين، التي مرّرها تويتر على نطاق واسع، ردود أفعال ساخرة، لا تقل تطرفاً عن القول بالسجود المزعوم، كقول بعضهم ساخراً إن بقية الرافعات لم (تسجد) لأنها (كافرة)، وتصفح هاشتاك الرافعة ستجد من هذا القبيل الكثير، سخرية، تطرّف، سباب تؤجّج الموقف وتحيد به عن مساره.
هذا النوع من التقاذف الممجوج، أنسانا القضية الأساسية، أنسانا الحدث ذاته، وبات الأمر عبارة عن مزايدات رخيصة وتسجيل مواقف شخصية ومنافسات غير شريفة بين بعض شركات المقاولات. هذا شيء، أما لو رحت إلى عالم السياسة فستجد من اتهم بلادنا بالتخاذل في الاهتمام بالحرم المكي الشريف، كنوع من الاصطياد في الماء العكر، وانتقامات هزيلة لا يحركها سوى أرواح شريرة وعقول شيطانية، تكن بغضاً وكرهاً وحسداً لدولتنا، وأغربها وصف إعلام الحوثي بأن الذي سقط على الحرم صاروخ قادم من المقاومة الشعبية.
وهذا أمر يعرفه الجميع، أما الشمس فلا يمكن أن تحجبها بغربال، فالمملكة قدَّمت للحرم المكي والحرم النبوي خدمات جليلة لا ينكرها سوى خصم لئيم، والشواهد على ذلك ملموسة يشاهدها العالم في كل القنوات الفضائية.
وفي خضم هذا التجاذب المخجل، تظهر قناة الـ CNN ، لتقدّم تقريراً دقيقاً وموثّقاً ومحايداً بأن سقوط الرافعة جاء من جراء عواصف عاتية على منطقة الحرم، لم تثبت معها الرافعة فسقطت، قدمت القناة تقريرها بعيداً عن أي حسابات مسبقة، وبعيداً عن أي تحزّبات مريضة، غطّت الحدث بمهنية عالية، وبدون تبني أطروحات أيدولوجية.
في حين لدينا - محلياً وعربياً - فجاء الصراع بين الاتجاهات المتعارضة على شكل مزايدات، وتشويه مواقف، وانتقام، وسخرية، وجهل ديني مركب، ضاربين بضحايا الحادث والمصابين عرض الحائط، فالأهم لديهم أن يستغلوا هذا الحدث في النيل من وطننا بشتى السبل، ولكن هيهات أن يحصلوا على مبتغاهم.