رجاء العتيبي
بالونة الخطاب الديني المتشدد، أكبر بكثير من بالونة الخطاب الثقافي المتزن، لذلك انفجارتها قوية ومزعجة ومؤثرة ومميتة، بالونة التشدد تكبر وتكبر وتكبر حتى تنفجر في الإنسان ـ أي إنسان ـ مسلماً كان، أو من أي ديانة أخرى، وتنفجر في أي مكان ـ مسجد أو معبد أو سفينة أو جنود، ولا تهتدي بقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} المائدة - آية 32 .
هي بالونة عمياء، متطرفة، منكفئة على نفسها، لا ترى في هذا الوجود سواها، أما أن يكون الطريق إلى الجنة على جماجم المسلمين أو على النفس التي حرّم الله، فهذا أمر في غاية الجنون ومنطق معووج وأبعد ما يكون عن الصراط المستقيم، ولا يمت بصلة لمنهج الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.
لسنا بحاجة لمحاربة التطرف بالمناصحة أو بالحوار، بقدر حاجتنا إلى برامج ثقافية مكثفة شاملة مستمرة جاذبة، تتماهى مع الأجيال الجديدة وتعطيهم مكانتهم اللائقة وتقدر مواهبهم وإبداعهم وتطلعاتهم وتعترف بهم كجيل مبدع، بحاجة إلى قيادات ثقافية ملهمة، تفتح لها المؤسسات الحكومية والقطاع الأهلي كافة أبوابها للعمل، وتقدم لها كافة الدعم المعنوي والخدمات المساندة والأجور المجزية والمحفزة.
إذا كبرت المساحة التي تشتغل فيها الثقافة والفنون، وسرى نسيمها في كل محافظة ومدينة ومنطقة وقرية، وصارت مشروع دولة فاعلاً، ارتفعت قيمة الإنسان، وعرف الناس أهمية الحياة، وقدّر الكل معنى عمارة الأرض والمشي في مناكبها. حينها (يتلاشى) التطرف تبعاً لذلك ويختفي من الوجود من تلقاء نفسه، ويصبح نكرة في عالم من الثقافة والفن والإبداع والحياة والجمال والحب والسلام.
هنا يكون الطريق إلى الجنة: بالعمل الصالح، الذي جاء في كتاب الله مقترناً بالتوحيد والإيمان باليوم الآخر، كثلاثة أركان تمثل جوهر الإسلام الحق، وليس الإسلام السياسي (العمل الصالح، التوحيد، الإيمان باليوم الآخر) .
غرّد سعود الدوسري - رحمه الله - في آخر أيامه قائلاً: «ليس مهماً أن يكون في جيبك قرآن، ولكن المهم أن تكون في أخلاقه آية»، غادر سعود الحياة وسط محبة الجماهير والدعاء له بالجنة، في حين الإرهابي يوسف السليمان فجّر مسجد الطوارئ بأبها وغادر الحياة بعد أن قتل أبرياء وسط دعاء الجميع عليه بالويل والثبور، والناس شهود الله في أرضه.